وكنت أردت الدخول إلى أرض الظلمة، والدخول إليها من بلغار وبينهما أربعون يوماً ثم أضربت عن ذلك لعظم المؤنة فيه وقلة الجدوى والسفر إليها لا يكون إلا في عجلات صغار تجرها كلاب كبار فإن تلك المفازة فيها الجليد، فلا يثبت قدم الآدمي ولا حافر الدابه فيها والكلاب لها الأظفار فتثبت أقدامها في الجليد ولا يدخلها إلا الأقوياء من التجار الذين يكون لأحدهم مائة عجلة أو نحوها موقرة بطعامه وشرابه وحطبه فإنها لا شجر فيها ولا حجر ولا مدر والدليل بتلك الأرض هو الكلب الذي قد سار فيها مراراً كثيرة وتنتهي قيمته إلى ألف دينار ونحوها. وتربط العربة إلى عنقه ويقرن معه ثلاثة من الكلاب ويكون هو المقدم تتبعه سائر الكلاب بالعربات فإذا وقف وقفت وهذا الكلب لا يضربه صاحبه ولا ينهره وإذا حضر الطعام أطعم الكلاب أولاً قبل بني آدم وإلا غضب الكلب وفر وترك صاحبه للتلف. فإذا كمُلت للمسافرين بهذه الفلاة أربعون مرحلة نزلُوا عند الظلمة وترك كل واحد منهم ما جاء به من المتاع هنالك وعادوا إلى منزلهم المعتاد فإذا كان من الغد عادوا لتفقد متاعهم فيجدون بإزائه من السمور والسنجاب والقاقم، فإن أرضى صاحب المتاع ما وجده إزاء متاعه أخذه وإن لم يرضه تركه، فيزيدونه وربما رفعوا متاعهم أعني أهل الظلمة وتركوا متاع التجار وهكذا بيعهم وشراؤهم. ولا يعلم الذين يتوجهون إلى هنالك من يبايعهم ويشاريهم أمن الجن هو أم الإنس ولا يرون أحداً. والقاقم هو أحسن أنواع الفراء، وتساوي الفروة منه ببلاد الهند ألف دينار، وصرفها من ذهبنا مائتان وخمسون وهي شديدة البياض من جلد حيوان صغير على طول الشبر وذنبه طويل يتركونه في الفروة على حاله، والسمور دون ذلك تساوي الفروة منه أربعمائة دينار فما دونها. ومن خاصية هذه الجلود أنه لا يدخلها القمل وأمراء الصين وكبارها يجعلون منه الجلد الواحد متصلاً بفرواتهم عند العنق وكذلك تجار فارس والعراقين،