وهو الملك الصالح ابن الملك المنصور الذي ذكرناه آنفا ورث الملك عن أبيه والمكارم الشهيرة وليس بأرض العراق والشام ومصر أكرم منه يقصده الشعراء والفقراء فيجزل لهم العطايا جرياً على سنن أبيه قصده أبو عبيد الله محمد بن جابر الأندلسي المروي الكفيف مادحاً فأعطاه عشرين ألف درهم وله الصدقات والمدارس والزوايا لإطعام الطعام. وله وزير كبير القدر وهو الإمام العالم وحيد الدهر وفريد العصر جمال الدين السنجاوي وقرأ بمدينة تبريز وأدرك العلماء الكبار وقاضي قضاته الإمام الكامل برهان الدين الموصلي وهو ينتسب إلى الشيخ الولي فتح الموصلي وهذا القاضي من أهل الدين والورع والفضل يلبس الخشن من ثياب الصوف الذي لا تبلغ قيمته عشرة دراهم ويعتم بنحو ذلك وكثيراً ما يجلس للأحكام بصحن مسجد خارج المدرسة كان يتعبد فيه فيه فإذا رآه من لا يعرفه ظنه بعض خدام القاضي وأعوانه.
وقد ذكر لي: أن امرأة أتت هذا القاضي وهو خارج من المسجد ولم تكن تعرفه فقالت له: يا شيخ أين يجلس القاضي؟ فقال لها: وما تريدين منه؟ فقالت: أن زوجي ضربني وله زوجة ثانية وهو لا يعدل بيننا في القسم وقد دعوته إلى القاضي فأبى وأنا فقيرة ليس عندي ما أعطيه لرجال القاضي حتى يحضروه بمجلسه. فقال لها: وأين منزل زوجك؟ فقالت: بقرية الملاحين خارج المدينة. فقال لها: أنا أذهب معك إليه. فقالت: والله ما عندي شيء أعطيك إياه. فقال لها: لا آخذ منك شيئاً، ثم قال لها: اذهبي إلى القرية وانتظريني خارجها فآتي على أثرك، فذهبت كما أمرها وانتظرته فوصل إليها وليس معه أحد وكانت عادته أن لا يدع أحداً يتبعه، فجاءت به إلى منزل زوجها فلما رآه قال: ما هذا الشيخ النحس الذي معك؟ فقال له: نعم والله وأنا كذلك ولكن أرض زوجتك، فلما طال الكلام جاء الناس فعرفوا القاضي وسلّموا عليه وخاف ذلك الرجل وخجل. فقال له القاضي: لا عليك أصلح ما بينك وبين زوجتك. فأرضاها الرجل من نفسه وأعطاهما القاضي نفقة ذلك اليوم وانصرف.