لقيت هذا القاضي وأضافني بداره. ثم رحلت عائداً إلى بغداد فوصلت إلى مدينة الموصل التى ذكرناها، فوجدت ركبها بخارجها متوجهين إلى بغداد وفيهم امرأة صالحة عابدة تسمى بالست زاهدة وهي من ذرية الحنفاء حجت مراراً وهي ملازمة الصوم سلّمتُ عليها وكنت في جوارها ومعها جملة من الفقراء يخدمونها، وفي هذه الوجهة توفيت رحمة الله عليها وكانت وفاتها بزرود ودفنت هنالك، ثم وصلنا إلى مدينة بغداد فوجدت الحاج في أهبة الرحيل فقصدت أمير ها معروف خواجة فطلبت منه ما أمر لي به السلطان فعين لي شقة محارة وزاد أربعة من الرجال وماءهم وكتب لي بذلك ووجه إلى أمير الركب البهلوان محمد الحويج فأوصاه بي وكانت المعرفة بيني وبينه متقدمة فزادها تأكيداً ولم أزل في جواره وهو يحسن إلي ويزيدني على ما أمر به، وأصابني عند خروجنا من الكوفة إسهال فكانوا ينزلوني من أعلى المحمل مرات كثيرة في اليوم والأمير يتفقد حالي ويوصي بي ولم أزل مريضاً حتى وصلت مكة حرم الله تعالى زادها الله شرفاً وتعظيماً، وطفت بالبيت الحرام كرّمه الله تعالى طواف القدوم وكنت ضعيفاً بحيث أؤدي المكتوبة قاعداً فطُفت وسعيت بين الصفا والمروة راكباً على فرس الأمير الحويح المذكور، ووقفنا تلك السنة يوم الإثنين فلما نزلنا منى أخذت في الراحة والاسقلال من مرضي، ولما انقضى الحاج أقمت مجاوراً بمكة تلك السنة وكان بها الأمير علاء الدين ابن هلال مشيد "مشد" الدواوين مقيما لعمارة دار الوضوء بظاهر العطارين من باب بني شيبة وجاور في تلك السنة من المصريين جماعة من كبرائهم منهم تاج الدين بن الكويك ونور الدين القاضي وزين الدين بن الأصيل وابن الخليلي وناصر الدين الأسيوطي، وسكنت تلك السنة بالمدرسة المظفرية وعافاني الله من مرضي فكنت في أنعم عيش وتفرغت للطواف والعبادة والاعتمار وأتى في أثناء تلك السنة حجاج الصعيد وقدم معهم الشيخ الصالح نجم الدين الأصفوني١ وهي أول حجة حجها والإخوان علاء الدين علي وسراج الدين عمر ابنا القاضي الصالح نجم الدين البالسي قاضي مصر وجماعة غيرهم وفي منتصف ذي القعدة
١ قد يكون في هذه الكلمة تحريف والصواب: الأصفوني نسبة إلى أصفون، إحدى قرى صعيد مصر، وتعرف اليوم بأصْفُون المطاعنة.