وهو أعظم مساجد الدنيا احتفالا وأتقنها صناعة وأبدعها حسنا وبهجة وكمالا ولا يعلم له نظير ولا يوجد له شبيه وكان الذي تولى بناءه وإتقانه أمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك بن مروان ووجه إلى ملك الروم بقسطنطينية يأمره أن يبعث إليه الصناع فبعث إليه اثني عشر ألف صانع وكان موضع المسجد كنيسة فلما افتتح المسلمون دمشق دخل خالد بن الوليد رضي الله عنه من إحدى جهاتها بالسيف فانتهى إلى نصف الكنيسة ودخل أبو عبيدة ابن الجراح رضي الله عنه من الجهة الغربية صلحاً فانتهى إلى نصف الكنيسة فصنع المسلمون من نصف الكنيسة الذي دخلوه عنوة مسجدا وبقي النصف الذي صالحوا عليه كنيسة فلما عزم الوليد على زيادة الكنيسة في المسجد طلب من الروم أن يبيعوا له كنيستهم تلك بما شاءوا من عوض فأبوا عليه فانتزعها من أيديهم وكانوا يزعمون أن الذي يهدمها يجن فذكروا ذلك للوليد فقال أنا أول من يجن في سبيل الله وأخذ الفأس وجعل يهدم بنفسه فلما رأى المسلمون ذلك تتابعوا على الهدم وأكذب الله زعم الروم وزين هذا المسجد بفصوص الذهب المعروفة بالفسيفساء تخالطها أنواع الأصبغة الغريبة الحسن وذرع المسجد في الطول من الشرق إلى الغرب مائتا خطوة وهي ثلاثمائة ذراع وعرضه من القبلة إلى الجوف مائة وخمس وثلاثون خطوة وهي مائتا ذراع وعدة شمسات الزجاج الملونة التي فيه أربع وسبعون وبلاطاته ثلاثة مستطيلة من شرق إلى غرب سعة كل بلاط منها ثمان عشرة خطوة. وقد قامت على أربع وخمسين سارية وثماني أرجل حصية تتخللها وست أرجل مرخمة مرصعة بالرخام الملون قد صور فيها أشكال محاريب وسواها وهي تقل قبة الرصاص التي أمام المحراب المسماة بقبة النسر كأنهم شبهوا المسجد نسرا طائرا والقبة رأسه وهي من أعجب مباني الدنيا.
ومن أي جهة استقبلت المدينة بدت لك قبة النسر ذاهبة في الهواء منيفة على جميع مباني البلد وتستدير بالصحن بلاطات ثلاثة من جهاته الشرقية والغربية والجوفية سعة كل بلاط منها عشر خطى وبها من السواري ثلاث