انتهى ما لخصته من تقييد الشيخ أبي عبد الله محمد بن بطوطة، أكرمه الله. ولا يخفى على ذي عقل أن هذا الشيخ هو رحال العصر. ومن قال: رحال هذه الملة لم يبعد، ولم يجعل بلاد الدنيا للرحلة. واتخذ حضرة فاس مقرّاً ومستوطناً بعد طول جولانه، إلا لما تحقق أن مولانا أيده الله أعظم ملوكها شأناً، وأعمهم فضائل، وأكثرهم إحساناً، وأشدهم بالواردين عليه عناية، وأتمهم بمن ينتمي إلى طلب العلم حماية. فيجب على مثلي أن يحمد الله تعالى لأن وفقه في أول حاله وترحاله لاستيطان هذه الحضرة التي اختارها هذا الشيخ بعد رحلة خمسة وعشرين عاماً. إنها لنعمة لا يقدر قدرها، ولا يوفى شكرها. والله تعالى يرزقنا الإعانة على خدمة مولانا أمير المؤمنين، ويبقى علينا ظل حرمته ورحمته ويجزيه عنا معشر الغرباء المنقطعين إليه أفضل جزاء المحسنين. اللهم وكما فضلته على الملوك بفضيلَتَي العلم والدين، وخصصته بالحلم والعقل الرصين، فمد لملكه أسباب التأييد والتمكين، وعرفه عوارف النصر العزيز والفتح المبين، واجعل الملك في عقبة إلى يوم الدين، وأره قرة العين في نفسه وبنيه وملكه ورعيته، يا أرحم الراحمين. وصلى الله وسلم على سيدنا ومولانا محمد خاتم النبيين، وإمام المرسلين. والحمد لله رب العالمين.
وكان الفراغ من كتبها في صفر عام سبعة وخمسين وسبعمائة.