ساحله حجارة. فأراد أن ننشب فيها ويذهب بالثياب فقلت له إنما تمشي على هذه الطريق التي نحن عليها وبينها وبين البحر نحو ميل فلما أسلم الليل قال لنا أن المدينة قريبة فتعالوا نمشي حتى نبيت بخارجها إلى الصباح فخفت أن يتعرض لنا أحد في الطريق ولم أحقق مقدار ما بقي إليها فقلت له إنما الحق أن نخرج عن الطريق فننام فإذا أصبحنا أتينا المدينة أن شاء الله وكنت قد رأيت جملة من الرجال في سفح جبل هنالك فخفت أن يكونوا لصوصاً، وقلت التستر أولى وغلب العطش على صاحبي فلم يوافق على ذلك فخرجت عن الطريق وقصدت شجرة أم غيلان وقد أعييت وأدركني الجهد لكني أظهرت قوة وتجلداً خوف الدليل وأما صاحبي فمريض لا قوة له فجعلت الدليل بيني وبين صاحبي وجعلت الثياب بين ثوبي وجسدي وأمسكت الرمح بيدي ورقد صاحبي ورقد الدليل وبقيت ساهراً فكلما تحرك الدليل كلمته وأريته أني مستيقظ ولم نزل كذلك حتى الصبح.
ثم خرجنا إلى الطريق فوجدنا الناس ذاهبين بالمرافق إلى المدينة فبعثت الدليل ليأتينا بماء وأخذ صاحبي الثياب وكان بيننا وبين المدينة مهاو وخنادق فأتانا بالماء فشربنا وذلك أوان الحر، ثم وصلنا إلى مدينة قَلْهات "وضبط اسمها بفتح القاف وإسكان اللام وأخره تاء مثناة" فأتيناها ونحن في جهد عظيم وكنت قد ضاقت نعلي على رجلي حتى كاد الدم يخرج من تحت أظفارها فلما وصلنا باب المدينة كان ختام المشقة أن قال لنا الموكل بالباب لا بد أن تذهب معي إلى أمير ليعرف قضيتك ومن أين قدمت فذهبت معه فرأيته فاضلاً حسن الأخلاق وسألني عن حالي وأنزلني وأقمت عنده ستة أيام لا قدرة لي فيها على النهوض على قدمي لما لحقها من الآلام.
ومدينة قَلْهات على الساحل وهي حسنة الأسواق ولها مسجد من أحسن المساجد حيطانه بالقاشاني وهو شبه الزليج وهو مرتفع ينظر منه إلى البحر والمرسى وهو من عمارة الصالحة بيبي مريم ومعنى بيبي عندهم الحرة. وأكلت بهذه المدينة سمكاً لم آكل مثله في إقليم من الأقاليم وكنت أفضله على جميع اللحوم فلا آكل سواه وهم يشوونه على ورق الشجر ويجعلونه على الأرز ويأكلونه. والأرز يجلب إليهم من أرض الهند وهم أهل