إلى أعلى ذلك العمود ومعه قوسه وكنانته واستقر هنالك وشاع خبره، فاجتمع الغفير لمشاهدته، وطال العجب منه، وخفي على الناس وجه واحتياله وأظنه كان خائفاً، أو طالب حاجة، فانتج له فعله الوصول إلى قصده لغرابة ما أتى به. وكيفية احتياله في صعوده أنه رمى بنشابة قد عقد بفوقها١ خيطاً طويلاً، وعقد بطرف الخيط حبلاً وثيقاً، فتجاوزت النشابة أعلى العمود معترضة عليه، ووقعت من الجهة الموازية للرامي، فصار خيطاً معترضاً على أعلى العمود، فجذبه حتى توسط الحبل أعلى العمود مكان الخيط، فأوثقه من إحدى الجهتين في الأرض، وعلق به صاعداً من الجهة الأخرى، واستقر بأعلاه وجذب الحبل، واستصحب من احتمله، فلم يهتد الناس لحيلته، وعجبوا من شأنه. وكان أمير الإسكندرية في عهد وصلولي إليها يسمى بصلاح الدين وكان فيها أيضا في ذلك العهد سلطان أفريقية المخلوع وهو زكريا أبو يحيى بن محمد ابن أبي حفص المعروف باللحياني وأمر الملك الناصر بإنزاله بدار السلطنة من إسكندرية وأجرى له مائة درهم كل يوم وكان معه أولاده عبد الواحد ومصري وإسكندري وحاجبه أبو زكريا بن يعقوب ووزيره أبو عبد الله بن ياسين وبالإسكندرية توفي اللحياني المذكور وولده الإسكندري وبقي المصري بها. قال ابن جزي: من الغريب ما اتفق من صدق الزجر في اسمي ولدي اللحياني الإسكندراني والمصري فمات الاسكندري بها، وعاش المصري دهراً طويلاً بها وهي من بلاد مصر. وتحول عبد الواحد لبلاد الأندلس والمغرب وأفريقية وتوفي هنالك بجزيرة جربة.
خبر بعض علماء الإسكندرية:
وعلى رأسهم عماد الدين الكندي، إمام من أئمة علم اللسان وكان يعتم بعمامة خرقت المعتاد للعمائم لم أر في مشارق الأرض ومغاربها أعظم منها رأيته يوما قاعدا في صدر محراب وقد كادت عمامته أن تملأ المحراب ومنهم فخر الدين بن الريغي وهو أيضا من القضاة بالإسكندرية فاضل من أهل العلم.
١ الفُوقٌ: موضع الوتر من السهم ا. هـ من القاموس المحيط.