بدخول الشهر ثم يخرج في أول يوم منه راكبا ومعه أهل مكة فرسانا ورجالا على ترتيب عجيب وكلهم بالأسلحة يلعبون بين يديه والفرسان يجولون ويجرون والرجال يتواثبون ويرمون بحربهم إلى الهواء ويلقفونها والأمير رميثة والأمير عطيفة معهما أولادهما وقوادهما مثل محمد بن إبراهيم وعلي وأحمد ابني صبيح وعلي بن يوسف وشداد بن عمر وعامر الشرق ومنصور بن عمر وموسى المزرق وغيرهم من كبار أولاد الحسن ووجوه القوار وبين أيديهم الرايات والطبول والدبادب وعليهم السكينة والوقار ويصيرون حتى يتنهوا إلى الميقات ثم يأخذون في الرجوع على معهود ترتيبهم إلى المسجد الحرام فيطوف الأمير بالبيت والمؤذن الزمزمي بأعلى قبة زمزم يدعو له عند كل شوط على ما ذكرناه من عادته فإذا طاف صلى ركعتين عند الملتزم وصلى عند المقام وتمسح به وخرج إلى المسعى راكبا والقواد يحفون به والحرابة بين يديه ثم يسيروا إلى منزله وهذا اليوم عندهم عيد من الأعياد يلبسوا فيه أحسن الثياب ويتنافسون في ذلك.
عمرة رجب:
وأهل مكة يحتفلون لعمرة رجب الاحتفال الذي لا يعهد مثله، وهي متصلة ليلاً ونهاراً. وأوقات الشهر كله معمورة بالعبادة، وخصوصا أول يوم منه، ويوم خمسة عشر والسابع والعشرين فإنهم يستعدون لها قبل ذلك بأيام وشاهدهتهم في ليلة السابع والعشرين منه وشوارع مكة قد غصت بالهوادج عليها كساء الحرير والكتان الرفيع. وكل واحد يفعل بقدر استطاعته والجمال مزينة مقلدة بقلائد الحرير وأستار الهوادج ضافية تكاد تمس الأرض فهي كالقباب المضروبة ويخرجون إلى ميقات التنعيم فتسيل أباطح مكة بتلك الهوادج، والنيران مشعلة بجنبتي الطريق، والشمع والمشاعل أمام الهوادج، والجبال تجيب بصداها إهلال المهللين فترق النفوس وتنهمل الدموع فإذا قضوا العمرة وطافوا بالبيت خرجوا إلى السعي بين الصفا المروة بعد مضي شيء من الليل والمسعى متقد السرج غاص بالناس والساعيات على هوادجهن والمسجد الحرام يتلألأ نورا وهم يسمون هذه العمرة بالعمرة الأكمية لأنهم يحرمون بها من أكمة مسجد عائشة رضي الله عنها بمقدار غلوة عن مقربة من المسجد