ودخلت عليه يوماً فقال لي: أراك تحب السياحة والجولان في البلاد فقلت له نعم إني أحب ذلك ولم يكن حينئذ بخاطري التوغل في البلاد القاصية من الهند والصين فقال لا بد لك أن شاء الله من زيارة أخي فريد الدين بالهند وأخي ركن الدين زكرياء بالسند وأخي برهان الدين بالصين فإذا بلغتهم فأبلغهم مني السلام فعجبت من قوله وألقى في روعي التوجه إلى تلك البلاد ولم أزل أجول حتى لقيت الثلاثة الذين ذكرهم وأبلغتهم سلامه ولما ودعته زودني دراهم لم تزل عندي محوطة لم أحتج بعد إلى إنفاقها إلى أن سلبها مني كفار الهنود فيم سلبوه لي في البحر. ومنهم الشيخ ياقوت الحبشي من أفراد الرجال وهو تلميذ أبو العباس المرسي وأبو العباس المرسي تلميذ ولي الله تعالى أبي الحسن الشاذلي الشهير ذي الكرامات الجليلة والمقامات العالية.
أما أبو الحسن الشاذلي أخبرني الشيخ ياقوت عن شيخه أبي العباس المرسي أن أبا الحسن كان يحج في كل سنة ويجعل طريقه على صعيد مصر ويجاور بمكة شهر رجب وما بعده إلى انقضاء الحج ويزور القبر الشريف ويعود على الدرب الكبير إلى بلده فلما كان في بعض السنين وهي آخر سنة خرج فيها قال لخديمه استصحب فأسا وقفه وحنوطا وما يجهز به الميت فقال له الخديم ولم ذا يا سيدي فقال له في حميثرا سوف ترى وحميثرا في صعيد مصر في صحراء عيذاب وبها عين ماء زعاق وهي كثيرة الضباع فلما بلغا حميثرا اغتسل الشيخ أبو الحسن وصلى ركعتين وقبضه الله عز وجل في آخر سجدة من صلاته ودفن هناك وقد زرت قبره وعليه تربة مكتوب فيها اسمه ونسبه متصلا بالحسن بن علي رضي الله عنه.
كان يسافر في كل عام كما ذكرناه على صعيد مصر وبحر جدة فكان إذا ركب السفينة يقرأ حزباً، وتلامذته إلى الآن يقرؤنه في كل يوم، وهو هذا: يا الله يا علي يا عظيم يا حليم يا عليم، أنت ربي وعليك حسبي، فنعم الرب ربّي، ونعم الحسب حسبي، تنصر من تشاء، وأنت العزيز الرحيم. نسألك العصمة في الحركات والسكنات والكلمات والإرادات والخطرات من الشكوك والظنون والأوهام الساترة للقلوب عن مطالعة الغيوب فقد ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً، ليقول المنافقون والذين في قلوبهم مرضٌ ما وعدنا الله ورسوله إلاّ غروراً، فثبّتنا وانصرنا وسخر لنا هذا البحر، كما سخرت البحر لموسى عليه