مولاي أنا، فرأيت من ذلك أمراً هائلاً ومنظراً فظيعاً لم أعهد مثله.
ومن غريب ما اتفق لي يومئذ أني دخلت فرأيت القضاة والخطباء والشرفاء قد استندوا إلى حيطان المشور وهو غاص بهم من جميع جهاته وهم بين باك ومتباك ومطرق وقد لبسوا فوق ثيابهم خامة من غليظ القطن غير محكمة الخياطة بطائنها إلى أعلى ووجوهها مما يلي أجسادهم وعلى رأس كل واحد منهم خرقة أو مئزر أسود هكذا يكون فعلهم إلى تمام أربعين يوماً وهي نهاية الحزن عندهم وبعدها يبعث السلطان لكل من فعل ذلك كسوة كاملة فلما رأيت جهات المشور غاصة بالناس نظرت يمينا وشمالا أرتاد موضعا لجلوسي فرأيت هنالك سقيفة مرتفعة عن الأرض بمقدار شبر وفي إحدى زواياهارجل منفرد عن الناس قاعد عليه ثوب صوف مثل اللبد يلبسه بتلك البلاد ضعفاء الناس أيام المطر والثلج في الأسفار فتقدمت منه وانقطع عني أصحابي لما رأوا إقدامي نحوه وعجبوا مني وأنا لا علم لي بشيء من حاله فصعدت السقيفة وسلمت على الرجل فرد السلام وارتفع عن الأرض كأنه يريد القيام وهو يسمون ذلك نصف القيام وقعدت في الركن المقابل له ثم نظرت إلى الناس وقد رموني بأبصارهم جميعاً فعجبت منهم ورأيت الفقهاء والمشايخ والأشراف مستندين إلى الحائط تحت السقيفة وأشار إلي أحد القضاة أن أنحط إلى جانبه فلم أفعل وحينئذ استشعرت أنه السلطان فلما كان بعد ساعة أتى شيخ المشايخ نور الدين الكرماني الذي ذكرناه قبل فصعد إلى السقيفة وسلم على الرجل فقام إليه وجلس فيما بيني وبينه فحينئذ علمت أنه السلطان.
ثم جيء بالجنازة وهي بين أشجار الأترج والليمون وقد ملأوا أغصانها بثمارها وهي بأيدي رجال فكأن الجنازة تمشي في بستان والمشاعل في رماح طوال بين يديها والشمع كذلك فصلى عليها وذهب الناس معها إلى مدفن الملوك وهو بموضع يقال له هلا فيجان على أربعة أميال من المدينة وهناك مدرسة عظيمة يشقها نهر وبداخلها مسجد تقام فيه الجمعة وبخارجها حمام ويحف بها بستان عظيم وبها الطعام للوارد والصادر، ولم أستطع أن أذهب معهم إلى الدفن لبعد الموضع فعدت إلى المدرسة.