وأودعته وانصرفت ومنذ فارقته لم ألق في أسفاري إلا خيرا وظهرت علي بركاته ثم لم ألق فيمن لقيته مثله إلا الولي سيدي محمدا الموله بأرض الهند.
ثم رحلنا إلى مدينة النحرارية وهي رحبة الفناء حديثة البناء أسواقها حسنة الرؤية، "وضبطها بفتح النون وحاء مهمل مسكن وراءين"، وأمير ها كبير القدر يعرف بالسعدي وولده في خدمة ملك الهند وسنذكره وقاضيها صدر الدين سليمان المالكي من كبار المالكية سفر عن الملك الناصر إلى العراق وولي قضاء البلاد الغربية وله هيئة جميلة وصورة حسنة وخطيبها شرف الدين السخاوي من الصالحين. ورحلت منها إلى مدينة أبيار وهي قديمة البناء أرجة الأرجاء كثيرة المساجد ذات حسن زائد وهي بمقربة من النحرارية ويفصل بينها النيل وتصنع بأبيار ثياب حسان تعلو قيمتها بالشام والعراق ومصر وغيرها ومن الغريب قرب النحرارية منها والثياب التي تصنع بها غير معتبرة ولا مستحسنة عند أهلها ولقيت بأبيار قاضيها عز الدين المليجي الشافعي وهو كريم الشمائل كبير القدر حضرت عنده مرة يوم الركبة وهم يسمون ذلك يوم ارتقاب هلال رمضان وعادتهم فيه أن يجتمع فقهاء المدينة ووجوهها بعد العصر من اليوم التاسع والعشرين لشعبان بدار القاضي ويقف على الباب نقيب المتعممين وهو ذو شارة وهيئة حسنة فإذا أتى أحد الوجوه تلقاه ذلك النقيب ومشى بين يديه قائلا بسم الله سيدنا فلان الدين١ فيسمع القاضي ومن معه فيقومون له ويجلسه النقيب في موضع يليق به فإذا تكاملوا هنالك ركب القاضي وركب من معه أجمعين وتبعهم جميع من بالمدينة من الرجال والنساء والصبيان وينتهون إلى موضع مرتفع خارج المدينة وهو مرتقب الهلال عندهم وقد فرش ذلك الموضع بالبسط والفرش فينزل فيه القاضي ومن معه فيرتقبون الهلال ثم يعودون إلى المدينة بعد صلاة المغرب وبين أيديهم الشمع والمشاعل والفوانيس ويوقد أهل الحوانيت بحوانيتهم الشمع ويصل الناس مع القاضي إلى داره ثم ينصرفون هكذا فعلهم في كل سنة ثم توجهت
١ هذه العبارة غير واضع معناها، ويبدو أن المراد منها: سيدنا فلان، ويضيف إليه النقيب لقباً مضافاً إلى الدين مثل: عز الدين، وفخر الدين، وهكذا، والله أعلم.