النخل، ولا يبقى بالمدينة أحد من أهلها ولا من الغرباء ويخرج أهل الطرب وأهل الأسواق لبيع الفواكه والحلاوات وتخرج النساء ممتطيات الجمال في المحامل ولهن مع ما ذكرناه من الجمال الفائت والأخلاق الحسنة والمكارم وللغريب عندهن مزية ولا يمتنعن من تزوجه كما يفعله نساء بلادنا فإذا أراد السفر خرجت معه وودعته وإن كان بينهما ولد فهي تكفله وتقوم بما يجب له إلى أن يرجع أبوه ولا تطالبه في أيام الغيبة بنفقة ولا كسوة ولا سواها وإذا كان مقيماً فهي تقنع منه بقليل النفقة والكسوة لكنهن لا يخرجن عن بلدهن أبداً ولو أعطيت إحداهن ما عسى أن تعطاه على أن تخرج من بلدها لم تفعل. وعلماء تلك البلاد وفقهاؤها أهل صلاح ودين وأمانة ومكارم وحسن خلق لقيت بمدينة زبيد الشيخ العالم الصالح أبا محمد الصنعاني والفقيه الصوفي المحقق أبا العباس الإبياني والفقيه المحدث أبا علي الزبيدي ونزلت في جوارهم فأكرموني وأضافوني ودخلت حدائقهم واجتمعت عند بعضهم بالفقيه القاضي العالم أبي زيد عبد الرحمن الصوفي أحد فضلاء اليمن ووقع عنده ذكر العابد الزاهد الخاشع أحمد بن العجيل اليمني وكان من كبار الرجال وأهل الكرامات.
وذكروا أن فقهاء الزيدية وكبراؤهم أتوا مرة إلى زيارة الشيخ أحمد بن العجيل فجلس لهم خارج الزاوية واستقبلهم أصحابه ولم يبرح الشيخ عن موضعه فسلموا عليه وصافحهم ورحب بهم ووقع بينهم الكلام في مسألة القدر وكانوا يقولون أن لا قدر وأن المكلف يخلق١ أفعاله فقال لهم الشيخ فإن كان الأمر على ما تقولون فقوموا عن مكانكم هذا فأرادوا القيام فلم يستطيعوا وتركهم الشيخ على حالهم ودخل الزاوية وأقاموا كذلك واشتد بهم الحر ولحقهم وهج الشمس وضجوا مما نزل بهم فدخل أصحاب الشيخ إليه وقالوا له أن هؤلاء القوم قد تابوا إلى الله ورجعوا عن مذهبهم الفاسد فخرج
١ وَهَم ابن بطوطة في نقله عن عقيدة الزيدية، فهم لا ينفون القدر، وهم على مذهب المعتزلة في أن العبد يخلق أفعاله بقدرة خلقها الله له. والذين ينفون القدر هم: القدرية أتباع معبد الجهني، وإنما كان الزيدية على مذهب المعتزلة، لأن الإمام زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي رضي الله عنهم كان تلميذاً لواصل بن عطاء، رأس المعتزلة.