كان يقطع الطريق بها جمال اللُّك الشهير الاسم هنالك.
وجمال اللُّك من أهل سجستان أعجمي الأصل "واللُّك بضم اللام" ومعناه الأقطع. وكانت يده قطعت في بعض حروبه. وكانت له جماعة كثيرة من فرسان الأعراب والأعاجم يقطع بهم الطريق وكان يبني الزوايا ويطعم الوارد والصادر من الأموال التي يسلبها من الناس. ويقال إنه كان يدعي أنه لا يسلط إلا على من لا يزكي ماله وأقام على ذلك دهراً وكان يغير هو وفرسانه ويسلكون براري لا يعرفها سواهم ويدفنون بها قرب الماء فإذا تبعهم عسكر السلطان دخلوا الصحراء واستخرجوا المياه ويرجع العسكر عنهم خوفاً من الهلاك وأقام على هذه الحالة مدة لا يقدر عليه ملك العراق ولا غيره ثم تاب وتعبد حتى مات وقبره يزار ببلده. وسلكنا هذه الصحراء إلى أن وصلنا إلى كَوْراستان "وضبط اسمه بفتح الكاف وإسكان الواو وراء"، وهو بلد صغير فيه الأنهار والبساتين وهو شديد الحر. ثم سرنا منه ثلاثة أيام في صحراء مثل التي تقدمت ووصلنا إلى مدينة لار "وآخر اسمها راء" مدينة كبيرة كثيرة العيون والمياه المطردة والبساتين ولها أسواق حسان ونزلنا بزاوية الشيخ العابد أبي دلف محمد وهو الذي قصدنا زيارته بخنج بال. وبهذه الزاوية ولد أبو زيد عبد الرحمن ومعه جماعة من الفقراء. ومن عادتهم أنهم يجتمعون بالزاوية بعد صلاة العصر من كل يوم ويطوفون على دور المدينة فيعطاهم من كل دار الرغيف والرغيفان فيطعمون منها الوارد والصادر. وأهل الدور قد ألفوا ذلك فهم يجعلوه في جملة قوتهم ويعدونه لهم إعانة على إطعام الطعام. وفي كل ليلة جمعة يجتمع في هذه الزاوية فقراء المدينة وصلحائها ويأتي كل منهم بما تيسر له من الدراهم فيجمعونها وينفقونها تلك الليلة ويبيتون في عبادة من الصلاة والتلاوة وينصرفون بعد صلاة الصبح.