ولما صلينا صلاة العيد دخلنا مع السلطان إلى منزله وحضر الطعام فجُعل للفقهاء والمشايخ والفتيان سماط على حدة، وجُعل للفقراء والمساكين سماط على حدة. ولا يرد على بابه في ذلك اليوم فقير ولا غني وأقمنا بهذه البلدة مدة بسبب مخاوف الطريق، ثم تهيأت رفقة فسافرنا معهم يوماً وبعض ليلة ووصلنا إلى حصن طَوَاس واسمه "بفتح الطاء وتخفيف الواو وآخره سين مهمل"، وهو حصن كبير ويذكر أن صهيباً صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنه من أهل هذا الحصن وكان مبيتنا بخارجه، ووصلنا بالغد إلى بابه فسألنا أهله من أعلى السور عن مقدمنا فأخبرناهم. وحينئذ خرج أمير الحصن ميناس١ بك في عسكره ليختبر نواحي الحصن والطريق خوفاً من إغارة السراق على الماشية فلما طافوا بجهاته خرجت مواشيهم وهكذا فعلهم أبداً، ونزلنا من هذا الحصن بربضة في زاوية رجل فقير وبعث إلينا أمير الحصن بضيافة وزاد، وسافرنا منه إلى مُغْلَة "وضبط اسمها بضم الميم وإسكان الغين المعجم وفتح اللام" ونزلنا بزاوية أحد المشايخ بها وكان من الكرماء الفضلاء يكثر الدخول علينا بزاويته لا يدخل إلا بطعام أو فاكهة أو حلواء، ولقينا بهذه البلدة إبراهيم بك ولد سلطان مدينة مِيلاس وسنذكره، فأكرمنا وكسانا. ثم سافرنا إلى مدينة مِيلاَس "وضبط اسمها بكسر الميم وياء مد وآخره سين مهمل" وهي من أحسن بلاد الروم وأضخمها، كثيرة الفواكه والبساتين والمياه نزلنا بها بزاوية أحد الفتيان الأخية ففعل أضعاف ما فعله قبله من الكرماء منن الضيافة ودخول الحمام وغير ذلك من حميد الأفعال وجميل الأعمال، ولقينا بمدينة ميلاس رجلاً صالحاً معمراً يسمى بأبي الششتري ذكروا أن عمره يزيد على مائة وخمسين سنة وله قوة وحركة وعقله ثابت وذهنه جيّد دعا لنا وحصلت لنا بركته.