وكبراؤها فقام الشيخ محمد البطائحي فقال أن الفقيه يريد السفر ونريد له زوادة ثم خلع فرجية مرعز كانت عليه وقال: هذه مني إليه فكان الحاضرون بين من خلع ثوبه ومن أعطى فرساً ومن أعطى دراهم واجتمع له كثير من ذلك كله ورأيت بقيسارية هذه المدينة يهودياً سلّم علي وكلمني بالعربي فسألته عن بلاده فذكر أنه من بلاد الأندلس وإنه قدم منها في البر ولم يسلك بحراً وأتى على طريق القسطنطينية العظمى وبلاد الروم وبلاد الجرجس وذكر أن عهده بالأندلس منذ أربعة أشهر وأخبرني التجار المسافرون الذين لهم المعرفة بذلك بصحة ما قاله ورأيت بهذه البلاد عجباً من تعظيم النساء عندهم وهن أعلى شأنا من الرجال فأما نساء الأمراء فكانت أول رؤيتي لهن عند خروجي من القرم رويق الخاتون زوجة الأمير سلطية في عربة لها وكلها مجللة بالملف الأزرق الطيب وطيقان البيت مفتوحة وأبوابه وبين يديها أربع جوارٍ فاتنات الحسن بديعات اللباس وخلفها جملة من العربات فيها جوار يتبعنها ولما قربت من منزل الأمير نزلت عن العربة إلى الأرض ونزل معها نحو ثلاثين من الجواري يرفعن الأذيال عن الأرض من كل جانب، ومشت كذلك متبخترة فلما وصلت إلى الأمير قام إليها وسلم عليها وأجلسها إلى جانبه ودار بها جواريها وجاءوا بروايا القمز فصبت منه في قدح وجلست على ركبتيها قدام الأمير وناولته القدح فشرب ثم سقت أخاه وسقاها الأمير وحضر الطعام فأكلت معه وأعطاني كسوة وانصرفت، وعلى هذا الترتيب نساء الأمراء، وسنذكر نساء الملك فيما بعد. وأما نساء الباعة والسوقة فرأيتهن وإحداهن تكون في العربة والخيل تجرها وبين يديها الثلاث والأربع من الجواري يرفعن أذيالها وعلى رأسها البغطاق وهو أقروف مرصع بالجوهر، وفي أعلاه ريش وتكون طيقان البيت مفتحة وهي بادية الوجه لأن نساء الأتراك لا يحتجبن وتأتي إحداهن على هذا الترتيب ومعها عبيدها بالغنم واللبن فتبيعه من الناس بالسلع العطرية وربما كان مع المرأة منهن زوجها فيظنه من يراها بعض خدامها ولا يكون عليه من الثياب إلا فروة من جلد الغنم وفي رأسه قلنسوة تناسب ذلك يسمونها الكلا. وتجهزنا من مدينة الماجَر نقصد معسكر السلطان وكان على أربعة أيام من الماجر بموضع يقال له بِشْ دَغْ ومعنى بش عندهم خمسة وهو "بكسر الباء وشين معجم" ومعنى دَغْ الجبل، وهو "بفتح الدال المهمل وغين معجم" وبهذه الجبال الخمسة عين ماء حار يغتسل منها الأتراك، ويزعمون أن من اغتسل منها لم تصبه عاهة مرض