بلاده صاحب الخبر يكتب له ما يجري في ذلك البلد من الأمور وممن يرد عليه من الواردين وإذا أتى الوارد كتبوا من أي البلاد ورد وكتبوا اسمه ونعته وثيابه وأصحابه وخيله وخدامه وهيئته من الجلوس والمأكل وجميع شئونه وتصرفاته وما يظهر منه من فضيلة أو ضدها فلا يصل الوارد إلى الملك إلا وهو عارف بجميع حاله فتكون كرامته على مقدار ما يستحقه. وسافرنا من سمرقند فاجتزنا ببلدة نسف وإليها ينسب أبو حفص عمر النسفي مؤلف كتاب المنظومة في المسائل الخلافيه بين الفقهاء الأربعة رضي الله عنهم. ثم وصلنا إلى مدينة ترمذ التي ينسب إليها الإمام أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي مؤلف الجامع الكبير في السنن، وهي مدينة كبيرة حسنة العمارة والأسواق تخترقها الأنهار وبها البساتين الكبيرة والعنب والسفرجل بها متناهي الطيب واللحوم بها كثيرة وكذلك الألبان وأهلها يغسلون رؤوسهم في الحمام باللبن عوضاً عن الطفل ويكون عند كل صاحب حمام أوعية كبار مملوءة لبناً فإذا دخل الرجل الحمام أخذ منها في إناء صغير فغسل رأسه وهو يرطب الشعر ويصقله. وأهل الهند يجعلون في رؤوسهم زيت السمسم ويسمونه الشيرج ويغسلون الشعر بعده بالطفل فينعم الجسم ويصقل الشعر ويطيله وبذلك طالت لحا أهل الهند ومن سكن معهم، وكانت مدينة ترمذ القديمة مبنية على شاطيء جيحون فلما خربها تنكيز بنيت هذه الحديثة على ميلين من النهر وكان نزولنا بها بزاوية الشيخ الصالح عزيزان من كبار المشايخ وكرمائهم كثير المال والرباع والبساتين ينفق على الوارد والصادر من ماله واجتمعت قبل وصولي إلى هذه المدينة بصاحبها علاء الملك خداوند زاده وكتب لي إليها بالضيافة فكانت تحمل إلينا أيام مقامنا بها في كل يوم ولقيت أيضاً قاضيها قوام الدين وهو متوجه لرؤية السلطان طرمشيرين وطالب للإذن له في السفر إلى بلاد الهند وسيأتي ذكر لقائي له بعد ذلك ولأخويه ضياء الدين وبرهان الدين بملتان وسافرنا جميعا إلى الهند وذكر أخويه الآخرين عماد الدين وسيف الدين ولقائي لهما بحضرة ملك الهند وذكر ولديه وقدومهما على ملك الهند بعد قتل أبيهما وتزويجهما بنتي الوزير خواجة جهان وما جرى في ذلك كله أن شاء الله تعالى. ثم جزنا نهر جيحون إلى بلاد خراسان وسرنا بعد انصرافنا من ترمذ وإجازة الوادي يوماً ونصف يوم في صحراء ورمال لا عمارة بها إلى مدينة بلخ وهي خاوية على عروشها غير عامرة ومن رآها ظنها عامرة لإتقان