والمساكين، يخرجون لجمع ما نبت منه من غير زراعة فيمسك أحدهم قفة كبيرة بيساره وتكون بيمناه مقرعة يضرب بها الزرع فيسقط في القفة فيجمعون منه ما يقتاتون به جميع السنة وحب هذا الشاماخ صغير جدّاً، وإذا جمع جعل في الشمس ثم يدق في مهارس الخشب فيطير قشره ويبقى لبه أبيض ويصنعون منه عصيدة يطبخونها بحليب الجواميس وهي أطيب من خبزه، وكنت آكلها كثيراً ببلاد الهند وتعجبني. ومنها الماش وهو نوع من الجلبان ومنها المنج "بميم مضموم ونون وجيم"، وهو نوع من الماش إلا أن حبوبه مستطيلة ولونه صافي الخضرة ويطبخون المنج مع الأرز ويأكلونه بالسمن ويسمونه كُشْري "بالكاف والشين المعجم والراء"، وعليه يفطرون في كل يوم وهو عندهم كالحريرة ببلاد المغرب، ومنها اللوبيا وهي نوع من الفول. ومنها الموث "بضم الميم" وهو مثل الكذرو إلا أن حبوبه أصغر، وهو علف الدواب عندهم وتسمن الدواب بأكله. والشعير عندهم لا قوة له وإنما علف الدواب من هذا الموث أو الحمص يجرشونه ويبلونه بالماء ويطعمونه الدواب ويطعمونها عوضاً من القصيل أوراق الماش بعد أن تسقى الدابة السمن عشرة أيام في كل يوم مقدار ثلاثة أرطال أو أربعة ولا تركب في تلك الأيام. وبعد ذلك يطعمونها أوراق الماش كما ذكرنا شهراً أو نحوه وهذه الحبوب التي ذكرناها هي الخريفية وإذا حصدوها بعد ستين يوماً من زراعتها ازدرعوا الحبوب الربيعية وهي القمح والشعير والحمص والعدس وتكون زراعتها في الأرض التي كانت الحبوب الخريفية مزروعة فيها وبلادهم كريمة طيبة التربة. وأما الأرز فإنهم يزرعونه ثلاث مرات في السنة وهو من أكبر الحبوب عندهم. ويزدرعون السمسم وقصب السكر مع الحبوب الخريفية التي تقدم ذكرها. "ولنعد إلى ما كنا بسبيله فأقول" سافرنا من مدينة أبو هر، في صحراء مسيرة يوم في أطرافها جبال منيعة يسكنها كفار الهنود، وربما قطعوا الطريق. وأهل بلاد الهند أكثرهم كفار فمنهم رعية تحت ذمة المسلمين يسكنون القرى ويكون عليهم حاكم من المسلمين يقدمه العامل أو الخديم الذي تكون القرية في إقطاعه ومنهم عصاة محاربون يمتنعون بالجبال ويقطعون الطريق.
ولما أردنا السفر من مدينة أبو هَر خرج الناس منها أول النهار وأقمت بها إلى نصف النهار في لمة من أصحابي ثم خرجنا ونحن اثنان وعشرون