تركت قراءتها كل يوم في سفر ولا حضر. ثم رحلت إلى بلدة مِيمَة "بكسر الميم الأول وفتح الثاني" فنزلنا على آبار بخارجها.
ثم سافرنا منها إلى مدينة تُنْبُكتُو"وضبط اسمها بضم التاء المعلوة وسكون النون وضم الباء الموحدة وسكون الكاف وضم التاء المعلوة الثانية وواو"، وبينها وبين النيل أربعة أميال. وأكثر سكانها مسوفة أهل اللثام وحاكمها يسمى فربا موسى. حضرت عنده يوماً وقد قدم أحد مسوفة أميراً على جماعة فجعل عليه ثوبا وعمامة وسروالاً كلها مصبوغة وأجلسه على درقة ورفعه كبراء قبيلته على رؤوسهم. وبهذه البلدة قبر الشاعر المفلق أبي إسحاق الساحلي الغرناطي المعروف ببلده بالطويجن، وبها قبر سراج الدين بن الكويك أحد كبار التجار من أهل الإسكندرية.
كان السلطان منسى موسى، لما حج نزل بروض لسراج الدين هذا ببركة الحبش خارج مصر وبها ينزل السلطان واحتاج إلى مال فتسلفه من سراج الدين وتسلف منه أمراؤه أيضاً. وبعث معهم سراج الدين وكيله يقتضي المال فأقام بمالي فتوجه سراج الدين بنفسه لاقتضاء ماله ومعه ابن له، فلما وصل تُنْبُكتو أضافه أبو إسحاق الساحلي فكان من القدر موته تلك الليلة فتكلم الناس في ذلك واتهموا أنه سم. فقال لهم ولده: إني أكلت معه ذلك الطعام بعينه فلو كان فيه سم لقتلنا جميعا لكنه انقضى أجله. ووصل الولد إلى مالي واقتضى ماله وانصرف إلى ديار مصر. ومن تُنْبُكتو ركبت النيل في مركب صغير منحوت من خشبة واحدة وكنا ننزل كل ليلة بالقرى فنشتري ما نحتاج إليه من الطعام والسمن بالملح وبالعطريات وبحلي الزجاج ثم وصلت إلى بلد اُنسيت اسمه له أمير فاضل حاج يسمى فربا سليمان مشهور بالشجاعة والشدة لا يتعاطى أحد النزع في قوسه ولم أر في السودان أطول منه ولا أضخم جسماً واحتجت بهذه البلدة إلى شيء من الذرة فجئت إليه وذلك يوم مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه وسألني عن مقدمي وكان معه فقيه يكتب له فأخذت لوحاً كان بين يديه وكتبت فيه: يا فقيه قل لهذا الأمير، إنا نحتاج إلى شيء من الذرة للزاد والسلام. وناولت الفقيه اللوح يقرأ ما فيه سرا ويكلم الأمير في ذلك بلسانه فقرأه جهراً وفهمه الأمير فأخذ بيدي وأدخلني إلى مشوره وبه سلاح كثير من الدرق والقسي والرماح، ووجدت عنده كتاب