كان من الغد تلقانا حاكم المدينة وهو من الشرفاء الفضلاء يسمى بأبي الحسن فنظر إلى ثيابي وقد لوثها المطر فأمر بغسلها في داره وكان الإحرام منها خلقا فبعث مكانه إحراما بعلبكيا وصر في أحد طرفيه دينارين من الذهب فكان ذلك أول ما فتح به علي وجهتي ورحلنا إلى أن وصلنا مدينة بونة ونزلنا بداخلها وأقمنا بها أياما ثم تركنا بها ما كان في صحبتنا من التجار لأجل التخوف في الطريق وتجردنا للسير وواصلنا الجهد، وأصابتني الحمى فكنت أشسد نفسي بعمامة فوق السرج خوف السقوط بسبب الضعف ولا يمكنني النزول من الخوف إلى أن وصلنا إلى مدينة تونس فبرز أهلها للقاء الشيخ أبي عبد الله الزبيدي ولقاء أبي الطيب ابن القاضي أبي عبد الله النفزاوي فأقبل بعضهم على بعض بالسلام والسؤال ولم يسلم علي أحد لعدم معرفي بهم فوجدت من ذلك في النفس ما لم أملك معه سوابق العبرة واشتد بكائي فشعر بحالي بعض الحجاج فأقبل علي بالسلام والإيناس وما زال يؤنسني بحديثه حتى دخلت المدينة ونزلت منها بمدرسة الكتبيين. قال ابن الجزي: أخبرني شيخي قاضي الحماعة أخطب الخطباء أبو البركات محمد بن محمد إبراهيم السلمي هو ابن الحاج البلفيقي أنه جرى له مثل هذه الحكاية. قال قصدت مدينة بلش من بلاد الأندلس في ليلة عيد، برسم رواية الحديث المسلسل بالعيد عن أبي عبد الله ابن الكماد، وحضرت المصلى مع الناس، فلما فرغت الصلاة والخطبة، أقبل الناس بعضهم على بعض بالسلام، وأنا في ناحية لا يسلم عليّ أحد، فقصد إليّ شيخ من أهل المدينة المذكورة، وأقبل عليّ بالسلام والإيناس، وقال: نظرت إليك، فرأيتك منتبذا من الناس، لا يسلم عليك أحد فعرفت أنك غريب فأحببت إيناسك جزاه الله خير الجزاء.