للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوصول إليه وأما قاضي الحنابلة فهو الإمام الصالح عز الدين بن مسلم من خيار القضاة ينصرف على حمار له ومات بمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم لما توجه للحجاز الشريف.

وكان بدمشق من كبار فقهاء الحنابلة تقي الدين بن تيمية كبير الشام يتكلم في الفنون إلا أن في عقله شيئاً. وكان أهل دمشق يعظمونه أشد التعظيم ويعظهم على المنبر وتكلم مرة بأمر أنكره الفقهاء ورفعوه إلى الملك الناصر فأمر بإشخاصه إلى القاهرة وجمع القضاة والفقهاء بمجلس الملك الناصر وتكلم شرف الدين الزواوي المالكي وقال أن هذا الرجل قال كذا وكذا وعدد ما أنكر على ابن تيمية وأحضر العقود بذلك ووضعها بين يدي قاضي القضاة وقال قاضي القضاة لابن تيمية ما تقول؟ قال لا إله إلا الله فأعاد عليه فأجاب بمثل قوله فأمر الملك الناصر بسجنه فسجن أعواما. وصنف في السجن كتاب في تفسير القرآن سماه البحر المحيط في نحو أربعين مجلداً ثم أن أمه تعرضت للملك الناصر وشكت إليه فأمر بإطلاقه إلى أن وقع منه ذلك ثانية وكنت إذ ذاك بدمشق فحضرته يوم الجمعة١ وهو يعظ الناس على منبر الجامع ويذكرهم فكان من جملة كلامه أن قال أن الله ينزل من سماء الدنيا كنزولي هذا ونزل درجة من درج المنبر فعارضه فقيه مالكي يعرف بابن الزاهراء وأنكر ما تكلم به فقامت العامة إلى هذا الفقيه وضربوه بالأيدي والنعال ضرباً كثيرا حتى سقطت عمامته وظهر على رأسه شاشية حرير فأنكروا عليه لباسها واحتملوه إلى دار عز الدين بن مسلم قاضي الحنابلة فأمر بسجنه وعزره بعد ذلك فأنكر فقهاء المالكية والشافعية ما كان من تعزيره ورفعوا الأمر إلى ملك الأمراء سيف الدين تنكز وكان من خيار الأمراء وصلحائهم فكتب إلى الملك


١ يظهر من خلال كلام ابن بطوطة تحامله الشديد على شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية، وتضاربه في كلامه، فبينما يصفه بأنّه من كبار فقهاء الحنابلة يقول: إلاّ أن في عقله شيئاً، وكان أهل دمشق يعظمونه أشد التعظيم، فكيف يتفق أن يكون من كبار الفقهاء الحنابلة وموضع تعظيم أهل دمشق مع أن في عقله شيئاً؟ ثم إنّه برغم أنه حضره يوم الجمعة يعظ الناس على منبر الجامع ويذكرهم وأن من جملة كلامه: أن الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا، يزعم هذا رغم أنّه لم يصل إلى دمشق إلاّ في يوم الخميس تاسع رمضان، وابن تيمية اعتقل وسجن بقلعة دمشق – باتفاق المؤرّخين – في يوم الاثنين سادس عشر شعبان. جنبنا الله الزلل.

<<  <  ج: ص:  >  >>