يوصلهم إليها ولا يخيبهم من بركة القبول فيما فعلوه. ولهم أيضا في اتباع الجنائز رتبة عجيبة وذلك أنهم يمشون أمام الجنازة والقراء يقرؤون القرآن بالأصوات الحسنة والتلاحين المبكية التي تكاد النفوس تطير لها رقة وهم يصلون على الجنائز بالمسجد الجامع قبالة المقصورة فإن كان الميت من أئمة الجامع أو مؤذنيه أو خدامه أدخلوه بالقراءة إلى موضع الصلاة عليه وإن كان من سواهم قطعوا القراءة عند باب المسجد وأدخلوا الجنازة وبعضهم يجتمع له بالبلاط الغربي من الصحن بمقربة من باب البريد فيجلسون وأمامهم ربعات القرآن يقرؤون فيها ويرفعون أصواتهم بالنداء لكل من يصل للعزاء من كبار البلدة وأعيانها ويقولون بسم الله فلان الدين من كمال وجمال وشمس وبدر وغير ذلك فإذا أتموا القراءة قام المؤذنون فيقولون افتكروا واعتبروا صلاتكم على فلان الرجل الصالح العالم ويصفونه بصفات من الخير ثم يصلون عليه ويذهبون به إلى مدفنه. ولأهل الهند رتبة عجيبة في الجنائز أيضا زائدة على ذلك وهي أنهم يجتمعون بروضة الميت صبيحة الثالث من دفنه وتفرش الروضة بالثياب الرفيعة ويكسى القبر بالأكسية الفاخرة وتوضع حوله الرياحين من الورد والنسرين والياسمين وذلك النوار لا ينقطع عندهم ويأتون بأشجار الليمون والأترج ويجعلون فيها حبوبها أن لم تكن فيها ويجعلون صيوان يظلل الناس نحوه ويأتي القضاة والأمراء ومن يماثلهم فيقعدون ويقابلهم القراء ويؤتى بالربعات الكرام فيأخذ كل واحد منهم جزءا فإذا تمت القراءة من القراء بالأصوات الحسان يدعو القاضي ويقوم قائمه ويخطب معدة لذلك ويذكر فيها الميت ويرثيه بأبيات شعر ويذكر أقاربه ويعزيهم ويذكر السلطان داعيا له وعند ذكر السلطان يقوم الناس ويحطون رؤوسهم إلى سمت الجهة التي بها السلطان ثم يقعد القاضي ويأتون بماء الورد فيصب على الناس صبا يبدأ بالقاضي ثم من يليه كذلك إلى أن يعم الناس أجمعين ثم يؤتى بأواني السكر وهو الجلاب محلولا بالماء فيسقون الناس منه ويبدؤون بالقاضي ومن يليه ثم يؤتى بالتنبول وهم يعظمونه مكرمون من يأتي لهم به فإذا أعطى السلطان أحداً منه فهو أعظم من إعطاء الذهب والخلع وإذا مات الميت لم يأكل أهله التنبول إلا في ذلك اليوم فيأخذ القاضي أو من يقوم مقامه أوراق منه فيعطيها لولي الميت فيأكلها وينصرفون حينئذ وسيأتي ذكر التنبول أن شاء الله تعالى.