جوانب هذه العين ولهم أحواض مصنوعة من جلود الجواميس كالصهاريج الضخام يسقون منها الجمال ويملئون الروايا والقرب ولكل أمير أو كبير حوض يسقي منه جماله وجمال أصحابه ويملأ رواياهم وسواهم من الناس متفق مع السقائين على سقي جمله وملأ قربته بشيء معلوم من الدراهم. ثم يرحل الركب من تبوك ويجدون السير ليلا ونهارا خوفاً من هذه البرية وفي وسطها الوادي الأخيضر كأنه وادي جهنم أعاذنا الله منها وأصاب الحجاج به في بعض السنين مشقة بسبب ريح السموم التي تهب فانتشفت المياه وانتهت شربة الماء إلى ألف دينار ومات مشتريها وبائعها وكتب ذلك في بعض صخور الوادي، ومن هنالك ينزلون بركة المعظم وهي ضخمة نسبتها إلى الملك المعظم من أولاد أيوب ويجتمع بها ماء المطر في بعض السنين وربما جف في بعضها وفي الخامس من أيام رحيلهم عن تبوك يصلون إلى بئر الحجر حجر ثمود وهي كثيرة الماء ولكن لا يردها أحد من الناس مع شدة عطشهم اقتداء بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مر بها في غزوة تبوك فأسرع براحلته وأمر أن لا يستقي منها أحد ومن عجن به أطعمه الجمال وهناك ديار ثمود في جبال من الصخر الأحمر منحوتة لها عتب منقوشة يظن رائيها أنها حديثة الصنعة وعظامهم نخرة في داخل تلك البيوت أن في ذلك لعبرة ومبرك ناقة صالح عليه السلام بين جبلين هنالك وبينهما أثر مسجد يصلي الناس فيه، وبين الحجر والعلا نصف يوم أو دونه، والعلا قرية كبيرة حسنة لها بساتين النخل والمياه المعينة يقيم بها الحجاج أربعا يتزودن ويغسلون ثيابهم ويدعون بها ما يكون عندهم من فضل زاد ويستصحبون قدر الكفاية وأهل هذه القرية أصحاب أمانة وإليها ينتهي تجار نصارى الشام لا يتعدونها ويبايعون الحجاج الزاد وسواه. ثم يرحل الركب من العلا فينزلون في غد رحيلهم الوادي المعروف بالعطاس وهو شديد الحر تهب فيه السموم المهلكة هبت في أحد السنين على الركب فلم يخلص منها إلا اليسير وتعرف تلك السنة سنة الأمير الحالقي، ومنه ينزلون هدية وهي حسيان ماء بواد يحفرون به فيخرج الماء وهو زُعاق. وفي اليوم الثالث ينزلون بظاهر البلد المقدس الكريم الشريف.