ثلاثة ايام وما كان المسلمون يعلمون بذلك ولا يعرفونه حتى دلهم عليه رجل نصراني من المعاهدين وقد اصطفاه وأمنه وأهله فلما ولى أبو عبيدة أمر المسلمين أراد ذلك المعاهد أن يتقرب إلى أبي عبيدة رضي الله عنه فعسى أن يكون فتح الدير والسوق على يديه فأقبل إليه وأبو عبيدة قد أطال الفكر فيما يصنع واي بلد من بلاد الروم يقصد فمرة يقول: أسير إلى بيت المقدس بالجيش فإنها أشرف بلدهم وكرسي مملكة الروم بها قيام دينهم ووقتا يقول: اسير إلى انطاكية وأقصد هرقل وأفرغ منه وبينما هو يفكر في أمره وقد جمع المسلمين إذ أقبل ذلك المعاهد وكان من نصارى الشام فقال: أيها الأمير إنك قد أحسنت الي وأمنتني ووهبتني أهلي ومالي وولدي وقد اتيتك ببشارة وغنيمة تغنمها المسلمون ساقها الله إليهم فإن اظفرهم الله بها استغنوه غنى لا فقر بعده فقال أبو عبيدة: أخبرنا ما هذه الغنيمة وأين تكون فما علمتك إلا ناصحا فقال: أيها الأمير إنها بازائك على دير الساحل وهو حصن يعرف بأبي القدس وبازائه دير فيه راهب تعظمه النصرانية ويتبركون بدعائه ويقتبسون من علمه وله في كل سنة عيد يجتمعون إليه من كل النواحي والقرى والأمصار والضياع والأديرة ويقوم عنده سوق عظيم يظهرون فيه فاخر ثيابهم من الديباج والذهب والفضة يقيمون عنده ثلاثة ايام او سبعة وقد قرب وقت قيام السوق فتأخذون جميع ما فيه وتقتلون الرجال وتسبون النساء والذرارى وهذه غنيمة يفرح بها المسلمون ويوهن لها عدوكم.
قال الواقدي: فلما سمع أبو عبيدة ما قاله المعاهد فرح رجاء أن يكون ما قاله المعاهد غنيمة للمسلمين فقال للمعاهد كم بيننا وبن هذا الدير قال عشرة فراسخ للمجد السائر قال أبو عبيدة: وكم بقي إلى قيام السوق قال: أيام قلائل قال أبو عبيدة: فهل يكون لهم حامية يلي أمرهم ويصد عنهم قال المعاهد لسنا نعرف ما ذكرت في بلاد الملك لانه لا يصيب بعضنا بعضا لهيبة هرقل في قلوبهم فلما سمع أبو عبيدة قال هل بالقرب منه شيء من مدائن الشام قال: نعم بالقرب من السوق مدينة تسمى طرابلس وهي مينا الشام إليها تقدم المراكب من كل مكان وفيها بطريق عظيم كثير التجبر وقد أقطعه الملك إياها من تجبره وهو يحضر السوق وما كنت أعهد أن لهذا السوق حامية من الروم إلا أن يكون الآن لخوفهم منكم ولو سار إلى الدير والسوق أدنى المسلمين لرجوت لهم الفتح أن شاء الله تعالى.
فقال أبو عبيدة: أيها الناس أيكم يهب نفسه لله تعالى وينطلق مع جيش ابعثه فتحا للمسلمين فسكت الناس ولم يتكلم أحد فنادى أبو عبيدة ثانية وإنما يريد خالدا بقوله واستحى أن يواجهه في ذلك لاجل عزله فقام من وسط الناس غلام شاب نبت شعر.