قال خالد: أصلح الله الأمير إذا كان الامر كذلك فابعث يوقنا رسولا ونحن معه فإذا حصلنا هناك يفعل الله ما يريد والحاضر يرى ما لا يراه الغائب.
قال فسيروا على بركة الله تعالى فتأهبوا وساروا وسار مع يوقنا خمسة وثلاثون من الصحابة وعشرون من أصحاب يوقنا فلما وصلوا أخلاط ونظرت إليهم الروم والأرمن علموا أنهم رسل فأعلموا بذلك الملك وأنهم رسل من العرب فأمر بإحضارهم فأتتهم الحجاب إلى باب رومية وهو باب بدليس فرأوهم على خيولهم فقالوا لهم: ادخلوا فأخذوهم إلى دار الامارة وأعلموا الملك بوسطيرس بذلك فأمر باحضارهم فلما توسطوا الدهليز أراد الغلمان أن يأخذوا أسلحتهم.
فقال خالد: انا قوم لا نسلم سيوفنا لغيرنا وإن الله بعث نبينا بالسيف وقد قلدنا إياه ولسنا نزيل ما خصنا الله ورسوله به فدخل الحجاب وأعلموا الملك بما قال خالد: فقال الملك دعوهم يدخلوا كيف شاءوا لئلا يظنوا اننا نخافهم وإنما ذاك ناموس الملك فدخلوا بهم فلما رآهم وسلموا عليه جلسوا على الأرض كأنهم السباع وكل منهم قد جعل يده على مقبض سيفه وقد بلغ الملك ما هم عليه من الدين والزهد في الدنيا فأوصى أصحابه أن لا يأمروهم بأن يصقعوا له فإنهم لا يجيبونهم لذلك قال فلما استقر بهم الجلوس قال لهم ترجمانه: يا هؤلاء بم أتيتم إلينا.
فقال يوقنا أن أمير جيوش المسلمين بأرض بدليس قد بعثنا اليكم رسلا ندعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وإن محمدا عبده ورسوله أو تدخلوا فيما دخل فيه الناس وتؤدوا الجزية عن يد وأنتم صاغرون فأعلم الترجمان الملك بما قاله يوقنا.
حدثنا قدامة أنه لم يكن بينهم ترجمان وإنما كان المتكلم يوقنا بالرومية وهو لسان القوم.
قال الراوي: حدثني من أثق به قال كان الترجمان بينهم لأن الملك أرمني لا يفهم إلا بلسان الأرمن ويوقنا كان روميا لا يفهم لسانا آخر فلما بلغه الترجمان غضب وقال: وحق المسيح والانجيل لا نعطيهم ولا ندخل في دينهم أو نموت عن آخرنا ولا يحسبوا أننا مثل من لاقوا من جيوش الروم ولنا الشدة والبأس والقوة والمراس ونحن نرمي عن الأقواس بالنشاب والعرب تسميه قاطع الشهوات والأسباب وأنا أبعث إلى صاحب خو وسلوس واستنصر عليهم باسراغوص ملك المرج ونردهم على أعقابهم ونستخلص منهم البلاد وليس عندنا جواب غير هذا قال فبلغهم الترجمان ما قاله.