قال الواقدي: فلم يكن يوم حمص أشد حربا ولا اقوى جلدا من بني مخزوم غير أن عكرمة بن ابي جهل كان أشدهم بأسا واقداما وهو يقصد الاسنة بنفسه فقيل له اتق الله وارفق بنفسك فقال: يا قوم أنا كنت اقاتل عن الأصنام فكيف اليوم وأنا أقاتل في طاعة الملك العلام وإني أرى الحور متشوقات الي ولو بدت واحدة منهن لاهل الدنيا لاغنتهم عن الشمس والقمر ولقد صدقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما وعدنا ثم سل سيفه وغاص في الروم ولم يزدد إلا اقداما وقد عجبت الروم من حسن صبره وقتاله فبينما هو كذلك إذ حمل عليه البطريق هربيس صاحب حمص وبيده حربة عظيمة تضيء وتلتهب وهزها في كفه وضربه بها فوقعت في قلبه ومرقت من ظهره فانجدل صريعا وعجل الله تعالى بروحه إلى الجنة فلما نظر خالد بن الوليد إلى ابن عمه وقد وقع صريعا اقبل حتى وقف عليه وبكى وقال: يا ليت عمر بن الخطاب نظر إلى ابن عمي صريعا حتى يعلم أنا إذا لاقينا العدو ركبنا الاسنة ركوبا قال ولم يزالوا في الأهوال الشديدة حتى هجم الليل عليهم وتراجعت الروم إلى مدينتهم وغلقوا الأبواب وطلعوا على الاسوار ورجعت المسلمون إلى رحالهم وخيامهم وباتوا ليلتهم يتحارسون فلما اصبح الصباح قال الأمير أبو عبيدة رضي الله عنه يا معاشر المسلمين ما بالكم قد صدكم هؤلاء القوم وبعد الطمع فيهم ما بالكم هزمتم وجزعتم منهم والله ألبسكم عافية مجللة وسلامة سابغة وأظفركم على بطارقة الروم وفتح لكم الحصون والقلاع فما هذا التقصير والله تعالى مطلع عليكم.
فقال خالد بن الوليد رضي الله عنه: هؤلاء فرسان الروم اشد الرجال ليس فيهم سوقة ولا جبان وقد تعلم إنهم يكونون اشد في الحرب لانهم يمنعون عن الذراري والنسوان فقال أبو عبيدة: رضي الله عنه فما الرأي عندك يا أبا سليمان يرحمك الله فقال خالد بن الوليد رضي الله عنه: أيها الأمير قد رأيت من الرأي اننا ننكشف للقوم غدا وندع لهم سوائمنا وابلنا فإذا تباعدنا عن مدينتهم وتبعتنا خيلهم وتباعدوا عن مدينتهم وصاروا معنا عطفنا عليهم ومزقناهم بالاسنة ونقطع ظهورهم لبعدهم عن مدينتهم فقال أبو عبيدة: نعم الرأي ما رأيت يا أبا سليمان ولقد اشرت واحسنت قال وتواعد المسلمون على أن ينكشفوا بين أيدي الروم وأن يتركوا لهم سوائمهم فلما اصبح الصباح فتحت أبواب حمص وخرجت الروم من جميع الأبواب وزحفوا يريدون القتال فسألهم العرب كفوا القتال واروهم التقصير والخوف واطمعوهم في أنفسهم وجعلوا ينحرفون عن قتالهم حتى تضاحى النهار وانبسطت الشمس وطاب الحرب وطمعت الروم في المسلمين لما بان لهم من تقصيرهم فشد الروم بالحملة عليهم فانهزمت العرب من بين أيديهم وتركوا سوائمها.