قال نوفل بن عامر حدثنا عرفجة بن ماجد النميمي عن سراقة النخعي وكان ممن حضر يوم حمص قال لما انهزمت العرب أمام الروم وتبعنا هربيس البطريق في خمسة آلاف اشهب وكانوا اشد الروم قال سراقة بن عامر وانهزمنا أمام القوم كاننا نطلب الزراعة وجوسية وأدركتنا البطارقة وبعضهم مال إلى السواد طمعا في الزاد والطعام.
قال الواقدي: وكان بحمص قسيس كبير السن عظيم القدر عند الروم قد حنكته التجارب وعرف أبواب الحيل والخداع وكان عالما من علماء الروم وقد قرأ التوراة والإنجيل والزبور والمزأمير وصحف شيث وابراهيم وأدرك حواري عيسى ابن مريم عليه السلام فلما أشرف ذلك القسيس ونظر إلى العرب وقد ملك الروم سوادهم جعل يصيح ويقول وهو ينادي: وحق المسيح أن هذه خديعة ومكر ومكيدة من مكايد العرب وأن العرب لا تسلم اولادها وابلها ولو قتلوا عن آخرهم قال وجعل القسيس يصيح وأهل حمص قد وقعوا في النهب وليس يغنيهم سوى الزاد والطعام والبطريق هربيس قد الح في طلب المسلمين في خمسة آلاف فارس فلما أبعدوا عن المدينة صاح الأمير أبو عبيدة رضي الله عنه برفيع صوته اعطفوا على الروم كالسباع الضارية والعقبان الكاسرة فردوا عليهم كردوسا واحدا حتى أحاطوا بالبطريق وأصحابه من كل جانب وداروا بهم مثل الحلقة المستديرة واحدقوا بهم كاحداق البياض بسواد العين وبقيت الروم في اوساطهم كالشامة السوداء في الثور الأبيض فعند ذلك نصبت العلوج نشابها على العرب والمسلمون يكرون عليهم مثل الأسود الضارية ويحومون عليهم كما تحوم النسور ويضربونهم بالسيوف ويصرعونهم يمينا وشمالا حتى إنكسر أكثرهم.
قال عطية بن فهر الزبيدي فلما نظرت الروم إلى فعلنا بهم تكالبت علينا فلما حميت الحرب ابتدر خالد بن الوليد رضي الله عنه من وسط العسكر وهو على جواد اشقر وعليه جوشن مذهب كان لصاحب بعلبك اهداه له يوم فتح بعلبك وكان خالد بن الوليد رضي الله عنه قد عمم نفسه بعمامة حمراء وكانت تلك العمامة عمامته في الحرب وجعل يهدر كالاسد الحردان وقد انتضى سيفه من غمده وهزه حتى طار منه الشرر ونادى برفيع صوته رحم الله رجلا جرد سيفه وقوى عزمه وقاتل أعداءه فعندها انتضب المسلمون سيوفهم وصدموا الروم صدمة عظيمة ونادى الأمير أبو عبيدة يا بني العرب قاتلوا عن حريمكم ودينكم واموالكم فإن الله مطلع عليكم وناصركم على عدوكم قال وكان معاذ بن جبل قد انفرد في خمسمائة فارس إلى السواد والأموال وانقض على الروم فما شعرت الروح والعلوج ممن انغمس في الغارة وحمل الزاد والرحال والأمتعة إلا والطعن قد أخذهم بأسنة الرماح من كل جانب كأنها ألسنة النار المضرمة ونادى مناد يا فتيان العرب اطلبوا الباب لئلا ينجوا أحد من الروم برحالنا