وكان بآمد أخوان شديدا البأس اسم أحدهما بطرس والآخر يوحنا وكان بطرس في شرقي البلد ويوحنا في غربيها وكان ليوحنا بنت اسمها رغوة ولبطرس بنت اسمها صفورا وكل واحد مشغول بما هو فيه ويوحنا اراد أن يتزوج فارسل إلى صاحب دارا وهو مرطاوس فزوجه لبنته مريم وحملت من بلد ابيها إليه وكانت صاحبة حيلة ومكر فلما حصلت بآمد نظرت إلى المدينة وكثرة مالها ونعمها وتحصن أهلها وسورها وغزراة بساتينها فقال لدايتها في السر يا دايتي ما رأيت أحسن من هذه المدينة ولا أحصن منها ولا أمنع إلا ترين إلا الأعين المخترقة في وسطها والى الجبال التي قد دارت بها تعني سورها الاسود فمن بناها على الحقيقة قالت لها اعلمي أنه قد ملك بلاد الروم أجمع من أول بلاد اليونان إلى بلاد عمورية ملك يقال له طيماوس بن أرسالوس ابن ميهاط بن مكلاوكن بن الأصفر بن العيص بن اسحق وكان أول من بنى بيت الحكمة في بلده رومية الكبرى ةوكان قد فتحت له المطالب ونشر في الأرض العجائب وإنه حدثته نفسه بملك الأرض لكثرة المال فانتهى إلى سويقة وكان له ولد اسمه اسطنبول فقال لأبيه طيماوس: أريد أن أبني لي ههنا مدينة أذكر بها قال: يا بني افعل وأمده بالمال والرجال فادار سورا على ستة فراسخ وسماها باسمه وعاش أربع سنين ومات وخلف ولدا اسمه قسطنطين فأتم بناءها فسميت باسمين اصطنبول باسم ابيه والقسطنطينية باسم ابنه وأما أبوه فإنه صار يفتح البلاد حتى وصل إلى ههنا فرأى هذه الأعين والدجلة فاستحسن المكان فطلب أرباب دولته وكانوا اثنين وسبعين ملكا وقال قد اخترت أن أبني ههنا مدينة لا يكون على وجه الأرض مثلها ولا أحسن منها ولا أمنع وأريد أن كل واحد منكم يبني لنفسه مدينة وبرجا فقالوا: جميعا نفعل أيها الملك فركبوا واختطوا المدينة وشرعوا في بنائها وأتوا بالصناع من أقصى البلاد واختص كل ملك بمدينة وبرج وحمام وكنيسة فلما أتموا بناءها مات الملك فسميت آمد لانقضاء أمده بها وما زال الملوك يتوارثونها إلى أن انتهت إلى هذه الأخوين بطرس ويوحنا قال فتعجبت مريم من قول رايتها وكتمت الأمر وكان لبطرس ولد اسمه لاون فطلب من أخيه ابنته صفورا لولده وقال له: زوج ابنتك لولدي حتى أزوج ابنتي لولدك فامتنع ووقع الشر بينهما حتى كان في وسط البلد سور وأبواب فاغلقت وصار كل واحد منهما مشغولا بناحيته فلما رأت مريم ذلك دخلت بينهم بالصلح وقالت هذا لا يجوز وأنتما أخوان ويطمع فيكما ملوك ديار بكر وركبت بنفسها وأصلحت بينهما وفتحت الأبواب التي داخل المدينة وصنعت وليمة عظيمة ودعت اليها بطرس وولده لاون وابنته صفورا فأكلوا وليمتها وقدمت لهم الخمر ممزوجا بالسم فلما تمكن منهم قتلوا عن آخرهم وكذلك فعلت بزوجها وولده وصارت ملكة وبنت بيعة لم ير ببلاد الروم مثلها وفرشت أرضها بالفصوص.