والرخام الملون وزخرفت الحيطان بالذهب والفضة وعلقت فيها ستور الديباج المذهب وطلبت كل عالم مشهور وأزالت عن أهل البلد جميع ما كان عليهم من الحيف وعدلت فيهم فأحبها أهل البلد وشكروا سيرتها واستخدمت الرجال وزادت في اكرامها وقصدها الناس من كل مكان لأجل عدلها وأقامت في ملك آمد اثنتي عشرة سنة وبعدها نزل عليها عياض بن غنم ومن معه وأحاط بالمدينة.
قال الواقدي: بلغني أن عياضا نزل على التل ونزل سعيد بن زيد على باب الروم ونزل معاذ على باب الجبل ونزل خالد على باب الماء فلما نظرت الملكة مريم إلى ذلك ورأت أن الصحابة قد عولوا على حصارها ركبت إلى كنيستها وجمعت أرباب دولتها وقالت اعلموا أن هؤلاء العرب قد حلوا بساحتكم ونزلوا على مدينتكم وقد طمعت أنفسهم في أخذها وأنتم تعلمون أن هذه قفل ديار بكر ومتى فتحوها فقد أخذوا ديار بكر عن بكرة أبيها وأضمحل دين المسيح ولا يبقى له ذكر في هذه البلاد وأنا أعلم أن الملوك ومن يشار إليهم من أهل دين النصرانية وبني ماء المعمودية كلهم ينتظرون ما يكون منا ويعلمون أن مدينتكم لو اقاموا عليها مائة سنة ما قدروا عليها فقاتلوا عن حريمكم وأموالكم واصعدوا فوق الأسوار وقاتلوا هؤلاء العرب وطلبت القسوس والشمامسة والرهبان وأمرتهم أن يحلفوهم على أن يكونوا يدا واحدة ولا يخامروا عليها ففعلوا ذلك وصعدوا على الأسوار وشهروا السلاح وآلة الحرب واقاموا الصلبان والرايات والأعلام وتولت كل طائفة بحفظ برج من الأبراج قال فلما نظر عياض إلى ذلك وأنهم قد عولوا على القتال من أعلى الأسوار جمع أمراء جيشه إليه وقال لهم: أن هذه المدينة حصينة وهي عين ديار بكر ومتى فتحها الله علينا ملكنا ديار بكر فما الذي ترون من الرأي وكيف يكون قتالها وأعداء الله قد تحصنوا بهذا الحصن المنيع.
فقال خالد: أيها الأمير اعلم أننا ما ملكنا الله البلاد بقوة ولا بكثرة مدد ولا بعدد بل بتيسير الله لنا نرجو الله أن يفتحها ببركة نبينا صلى الله عليه وسلم وبذلك وعد الله نبيه وإن هؤلاء القوم أن باطشونا على ظاهر مدينتهم بالقتال رجونا تسهيل الامر وإن أقاموا على ما هم عليه فالصبر فإن عاقبة الصبر النصر ولعل أن يأتي في العرضيات ما لم يكن في الحساب واكتب إلى هذه المرأة كتابا وخوفها ثم منها بكل جميل فلعل الله تعالى أن يلين قلبها للإيمان أو تسلم لنا صلحا فدعا عياض بدواة بياض وكتب اليها يقول بسم الله الرحمن الرحيم وصلواته على سيدنا محمد وآله من عياض بن غنم أمير جيوش المسلمين بأرض ربيعة وديار بكر إلى مريم الدارية أما بعد فإن الله سبحانه وتعالى قد نصرنا وبجميع الكفار قد ظفرنا وعلى قبض ملوكها أيدنا وما نزلنا على بلد إلا ملكناه ولا قابلنا جيشا إلا هزمناه والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين وليس حصنك بأمنع من تدمر ولا حصن.