قال ابن اسحق: وكان من حسن تدبير الله تعالى لعباده المؤمنين انه كان للمقوقس أخ شقيق واسمه ارجانوس وكانا متحابين وكان المقومس لا يقطع أمرا دونه وكانا إذا ركبا لا يفترقان وإذا جلسا يجلسان معا على السرير وكان المقوقس قد دخل في خلوته التي ذكرنا وكان أخوه من محبته قد رتب هناك من يعرفه لما يخرج من خلوته فلما كان في هذه النوبة استبطأه فأتى إلى ابن أخيه فرآه على السرير فقال له: ما فعل الملك فقال: انه في خلوته إلى الآن وقد رأى أن طالعه ضعيف مع هؤلاء العرب وقد أمرني أن أكون مكانه حتى يرى ما يريد من قتالهم أو صلحهم قال فكتم ارجانوس الأمر في نفسه وعلم أن أخاه قد قتل وكان ارجانوس ممن يعتقد نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ويعلم أن دعوته تطوف المشرق والمغرب وإن الملوك تضمحل في أيام أصحابه وسينزلون على البلاد فترك أرجانوس الأمر موقوفا ولم يبد ما في نفسه لآحد فلما خرج ابن أخيه مع العسكر جمع ارجانوس الذين تركهم ابن أخيه لحفظ البلد في قصر الشمع وقال لهم: اعلموا أن العقل هو عمدة قوى ابن آدم لأن الله قد خصه به دون سائر المخلوقات وإن أخي قد قتله ولده لا محالة وقد كان محبا لكم ومشفقا عليكم واعلموا أن هؤلاء العرب قد كان قدامهم من ملكه أعظم من ملككم وما ثبت بين ايديهم وليس بين دولتكم وبين أن تزول وتضمحل إلا أن يلتقي هذان الجيشان وإن ظفر بكم هؤلاء العرب قتلوكم ونهبوكم وسكنوا في مساكنكم وأيتموا أولادكم فقالوا: أيها الملك فما يكون عندك من الرأي وما تفعل قال إني أرى من الرأي أن تستيقظوا لأنفسكم وتغلقوا أبواب هذا القصر ولا تدعوا أحدا يدخل عليكم من جند الملك ولا هو نفسه فإنهم لا يقدرون أن يقاتلوكم والعرب من ورائهم وإنه يعدي إلى الجانب الغربي ويمضي الي اسكندرية ونعقد لنا صلحا مع هؤلاء العرب على أنفسنا وأولادنا وحريمنا ونسلم لهم بعد ذلك فمن أراد يتبعهم ومن أراد يعطيهم الجزية قال فاستصوبوا رأيه واعلموا أنه نطق بالحق كان أرجانوس له في سرايته ألف مملوك قال فاحتوى على قصر الملك وأخذ الخزائن والأموال وغلق أبواب قصر الشمع وفعل ما فعل وليس عند ابن أخيه خبر إلى أن ذهب من الليل نصفه أو أكثر فجاء إليه بعض خدمه وأخبره بما فعل عمه فأيقن بتلفه وخروج ملك مصر منه قال فبينما هو في حيرة في أمره إذ كبر خالد بن الوليد ومن معه في وسط عسكره فسمع عمرو وأصحابه التكبير فكبروا ووقعت الخذلة على الكفار وحملت فيهم المسلمون ووضعوا فيهم السيوف فلما نظر أرسطوليس إلى ما نزل به والكبسة التي وقعت بعسكره لم يكن له دأب إلا أن ركب وأحدقت به مماليك أبيه وأرباب دولته وطلبوا الهزيمة وقصدوا البحر وعدوا الجانب الغربي وطلبوا اسكندرية فحازوا على مدينة مريوط وفيها الموبذان الساقي ومعه ثلاث آلاف من عسكره فلما صاح الصائح في مصر بأن الملك انهزم وما ثبت.