قال بن اسحق الاموي رضي الله عنه لما ورد المهزمون على الملك وأخبروه بما تم عليهم وعلى ابنته ضاق صدره وبقي متفكرا فيما يصنع وليس له نية في القتال مع الصحابة فبينما هو متفكر إذ جاءه البشير بقدوم بنته وما معها فخف عنه بعض ما كان يجده فلما دخل عليه قيس رفع مجلسه فوق الملوك والحجاب وأرباب دولته وكانوا قد اجتمعوا يهنئونه بابنته فلما حضر قيس بن سعد ساله الملك عن أشياء لعل اصحابه أن تلين قلوبهم إلى الإسلام فقال: يا اخا العرب اخبرني عن صاحبكم ما الذي كان يركب من الخيل قال الاشقر الارتم المحجل في الساق وكان اسمه المترجل فقال لقد بلغنا أنه كان لا يركب إلا الجمال فقال قيس أن الله أكرم الابل وشرفها قال لها كوني فكانت وأخرج ناقة من الصخر وخص بها العرب من دون غيرهم من بني آدم وكان يركبها لكونها قد جعلها الله مباركة تقنع بما تجد وتصبر على الحمل الثقيل والسير الشديد وتصبر عن الماء اياما وقد ذكرها ربنا في قوله في كتابه العزيز فقال: {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}[الحج: ٢٧] وقال: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}[الحج: ٣٦] .
ولما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزواته غزوة بدر كان معه مائة ناضح من الأبل وكان معه فرسان يركب أحدهما المقداد بن الاسود الكندي ويركب الاخر مصعب بن عمير وانا لقينا قريشا في عددها وعديدها فهربوا ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان اصحابه يتعاقبون في الطريق وكان عليه الصلاة والسلام وعلي بن أبي طالب ومرثد بن أبي مرثد حليف حمزة بن عبد المطلب وغيرهم يتعاقبون شامخا وكان أيها الملك يركب الحمار الذي أهديته إليه ويردف وراءه معاذ بن جبل وعلى الحمار ركاب من ليف وخطامه ليف واعلم يا ملك القبط أنه كان يخصف نعله ويرقع ثوبه ويقول:"من رغب عن سنتي فليس مني" وكان قميصه من القطن قصير الطول والكمين ليس له ازرار ولقد أهدى إليه ذويزن حلة اشتراها له قومه بثلاثة وثلاثين بعيرا فلبسها رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة واحدة وأهدى له جبة من الشام فلبسها حتى تخرقت وخفين فلبسهما حتى تخرقا وكان له رداء طوله أربعة أذرع وعرضه ذراعات ونصف وكان له ثوب خز يلبسه للوفد إذا قدموا عليه وكان افصح الناس إذا تكلم بكلمة يرددها ثلاثا وكلما راى قوما سلم عليهم ورأيته كلما تحدث تبسم في حديثه وكان إذا اجتمع إليه اصحابه واراد أن ينهض قال سبحانك اللهم وبحمدك اشهد أن لا إله إلا انت استغفرك واتوب اليك قلنا يا رسول الله أن هذه الكلمات اتخذتهن عادة قال امرني بهن جبريل واخرجت لنا زوجته لما قبض كساء وازارا غليظين وقالت قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فوق هذين.