للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال المقوقس هذه والله أخلاق الانبياء فطوبى لمن اتبعه فإن أمته هي الامة الموصوفة في الانجيل فقال بعض من حضر أيها الملك ما تكون أمة عند الله افضل من هذه الامة وهم نحن فغضب الملك من قوله وقال: وبأي شيء أنتم أفضل عند الله أبأكلكم الحرام وارتكابكم الآثام وصنعكم المنكرات وتجنبكم الحسنات وظلمكم في الرعية وميلكم إلى الدنيا أين أنتم من قوم عبر عليهم الاسكندر فرآهم ليس بينهم قاض ولا حاكم ولا أمير قائم عليهم ولا فيهم من يختص بالغنى دون أخيه بل هم سواء في كل ما هم فيه أكلهم وشربهم واحد غير متناف ولامتضاد وملبسهم غير متناف ولا متباعد فتعجب الاسكندر منهم وسأل الأكابر منهم عما رآه من أحوالهم فقالوا: أيها الملك انا وجدنا جمجمة وعليها مكتوب يا ابن آدم ما خلقت إلا من التراب وقد خلوت بما قدمت اما صالحا فيسرك واما طالحا فيضرك فتندم حيث لا ينفعك الندم ولم يكن لك إلى الدنيا مرجع فطوبى للكيس العاقل الذي ليس ببليد ولا غافل يتزود إلى ما إليه يصير ولا يلقي الاتكال على التقصير فبادر إلى الخير قبل الموت واغتنم حياتك قبل الفوت وكأنك بالحي وقد هلك وترك كل ما ملك فلما قرأنا هذا اعتبرنا أيها الملك بهذه الموعظة البالغة ولبسنا أثوابها السابغة فقال: ما بال مساجدكم شاسعة نائية وقبوركم دانية فقالوا: أما مساجدنا فبعيدة ليكثر الاجر بكثرة الخطا وقبورنا قريبة لنذكر الموت فننتهي عن الخطأ فقال مالي أرى أبوابكم بغير غلاق قالوا: لأننا ما فينا خائن ولا سرق فقال: ما لي لا أرى فيكم أميرا ولا حاكما فقالوا: لاننا ما فينا معتد ولا ظالم.

فقال: ما لي لا أرى فيكم معسرا ولا فقيرا قالوا: لأن رزق الله فينا الكبير والصغير ثم إنهم أخرجوا له جمجمتين عظيمتين فقالوا: أيها الملك هذه جمجمة رجل عادل سالم وهذه جمجمة رجل ظالم وكلاهما صار إلى هذا المصير ولم يغن عنهما الجمع والتدبير أما العادل فمسرور ريان وأما الظالم فنادم حيران فاز المتقي وخسر الشقي فاختر ما تراه قبل الحين أيها الملك لأنك قد ملكت النواصي ونفذ أمرك في الداني والقاصي واستخلفك الله في الأرض وأمرك بالقيام بالنفل والفرض فتذكر مرجعك ورمسك واعمل لنفسك واعلم أنه لا ينفعك جدك إذا قبضت روحك واشتمل عليك لحدك فاترك أوامر الشيطان ودواعيه وخذ بأوامر الرحمن ونواهيه ولا يغرنك النعيم فتبوء بالاثم العظيم اذكر أيها الملك ما فعل الشيطان بأبيك حين نصب له مكيدته وأدار عليه حيلته فنصب له فخ العداوة وغره فيه بحبة البر فقال قيس أيها الملك أتدري من أولئك قال: لا قال هم قوم مؤمنون قال الله عنهم في كتابه: {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} [الأعراف:١٨١] وقد رآهم نبينا صلى الله عليه وسلم ليلة عرج به فلما عاد أخبر أصحابه بهم قالوا: يا رسول الله أهم قوم مؤمنون بما أنزل عليك فأراد أن.

<<  <  ج: ص:  >  >>