قال الواقدي: واتصلت الأخبار إلى الملك هرقل أن المسلمين قد فتحوا حمص والرستن وشيزر وقد أخذوا الهدية التي بعثها إلى هربيس البطريق فبلغ ذلك منه دون النفس وأقام ينتظر الجيوش والعساكر من أقصى بلاد الروم لانه قد كان كاتب كل من يحمل الصليب فما مضى عليه إلا أيام قلائل حتى صار أول جيوشه عنده بانطاكية وآخرها في رومية الكبرى وانه بعث جيشا إلى قيسارية ساحل الشام يكون حفظه على عكاء وطبرية وبعث بجيش آخر إلى بيت المقدس وأقام ينتظر قوم ماهان الأرمني ملك الأرمن وقد جمع من الأرمن ما لا يجمعه أحد من أهالي الملك هرقل وبعد أيام قدم على الملك هرقل للقائه في أرباب دولته فلما قرب منه ترجل ماهان وجنوده وكفروا بين يديه ورفعا اصواتهم بالبكاء والنحيب مما وصل إليهم من فتح المسلمين بلادهم فنهاهم عن ذلك وقال: يا أهل دين النصرانية وبني ماء المعمودية قد حذرتكم وخوفتكم من هؤلاء العرب ولم تقبلوا مني فوحق المسيح والإنجيل الصحيح والقربان ومذبحنا المعمدان لا بد لهؤلاء العرب أن يملكوا ما تحت سريري هذا والآن البكاء لا يصلح إلا للنساء وقد اجتمع لكم من العساكر ما لم يقدر عليه ملك من ملوك الدنيا وقد بذلت مالي ورجالي كل ذلك لاذب عنكم وعن دينكم وعن حريمكم فتوبوا للمسيح من ذنوبكم وانووا للرعية خيرا ولا تظملوا وعليكم بالصبر في القتال ولا يخامر بعضكم بعضا وإياكم والعجب والحسد فانهما ما نزلا بقوم إلا ونزل عليهم الخذلان وإني أريد أن أسألكم وأريد منكم الجواب عما أسألكم عنه فقالت العظماء من الروم والملوك: اسأل أيها الملك عما شئت.
قال إنكم اليوم أكثر عددا وأغزر مددا من العرب وأكثر جمعا وأكثر خياما وأعظم قوة فمن أين لكم هذا الخذلان وكانت الفرس والترك والجرامقة تهاب سطوتكم وتفزع من