للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حربكم وشدتكم وقد قصدوا إليكم مرارا ورجعوا منكسرين والآن قد علا عليكم العرب وهم أضعف الخلق عراة الأجساد جياع الاكباد ولا عدد ولا سلاح وقد غلبوكم على بصرى وحوران وأجنادين ودمشق وبعلبك وحمص قال فسكت الملوك عن جوابه فعندها قام قسيس كبير عالم بدين النصرانية وقال: أيها الملك أما تعلم لم نصرت العرب علينا قال: لا وحق المسيح فقال القسيس أيها الملك لأن قومنا بدلوا دينهم وغيروا ملتهم وجحدوا باجابة المسيح عيسى ابن مريم صلوات الله وسلامه عليه وظلموا بعضهم وليس فيهم من يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر وليس فيهم عدل ولا احسان ولا يفعلون الطاعات وضيعوا أوقات الصلوات وأكلوا الربا وارتكبوا الزنا وفشت فيهم المعاصي والفواحش وهؤلاء العرب طائعون لربهم متبعون دينهم رهبان بالليل صوام بالنهار ولا يفترون عن ذكر ربهم ولا عن الصلاة على نبيهم وليس فيهم ظلم ولا عدوان ولا يتكبر بعضهم على بعض شعارهم الصدق ودثارهم العبادة وأن حملوا علينا لا يرجعون وأن جملنا عليهم فلا يولون وقد علموا أن الدنيا دار الفناء وأن الآخرة هي دار البقاء.

قال الواقدي: فلما سمع القوم والملك هرقل ما قاله القسيس قالوا: وحق المسيح لقد صدقت بهذا نصرت العرب علينا لا محالة وإذا كان فعل قومنا ما ذكرت فلا حاجة لي في نصرتهم وإني قد عولت أن أصرف هذه الجيوش والعساكر إلى بلادها وآخذ أهلي ومالي وأنزل من أرض سورية وأرحل إلى أسبوك يعني القسطنطينية فأكون هناك آمنا من العرب قال فلما سمع القوم ذلك من الملك صفوا بين يديه وقالوا: أيها الملك لا تفعل ولا تخذل دين المسيح فيطالبك بذلك يوم القيامة وتعيرك الملوك بذلك ويستضعفون رأيك وأيضا تشمت بنا أعداؤنا إذا أنت خرجت من جنة الشام وسكن بعدنا فيها العرب وقد اجتمع لنا مثل هذا الجيش الذي ما اجتمع لملك من ملوك الدنيا ونحن نلقى العرب ونصبر على قتالهم ولعل المسيح أن ينصرنا عليهم فاعزم وقدم من شئت واتركنا ننهض إلى قتال العرب.

قال ففرح الملك هرقل بقولهم ونشاطهم وعول على أن يبعث الجيش مع خمسة ملوك من الروم فأول ما عقد لواء من الديباج المنسوج بالذهب الأحمر وعلى رأسه صليب من الجوهر وسلمه إلى قناطير ملك الروسية وضم إليه مائة ألف فارس من الصقالبة وغيرهم وخلع عليه وتوجه ومنطقه وسوره ثم عقد لواء آخر من الديباج الأبيض فيه شمس من الذهب الأحمر وعلى رأسه صليب من الزبرجد الأخضر وسلمه إلى جرجير وهو ملك عمورية وملورية وخلع عليه وسوره ومنطقه وضم إليه مائة ألف فارس من الروم والفردانة ومن سائر الأجناس الرومية ثم عقد لواء ثالثا من الدستري الملون عليه

<<  <  ج: ص:  >  >>