وهو الحصن المنبع الذي بناه سليمان بن داود وما هو إلا أن نزل عليه المسلمون حتى ملكوه وكذلك بعلبك وحلب وانطاكية دار الملك هرقل ولم يبق بين ايدينا صعب إلا سهلة الله علينا وبذلك وعدنا الله في كتابه العزيز فقال:{وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}[الروم: ٤٧] فإذا وصل اليك كتابي هذا فسلمي تسلمي وإياك أن تخالفي تندمي ومهما أردت بلغناك ولسنا نكرها على فراق دينك ولا أحدا من أهل بلدتك قال الله تعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}[البقرة: ٢٥٦] وإن تمسكت بالهوى فستعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا وسلام على عباده الذين اصطفى ثم طوى الكتاب وختمه وسلمه إلى رجل من المعاهدين وقال له: ادن من الحصن وناولهم الكتاب وقف حتى يردوا عليك الجواب قال فذهب ودنا من السور وناداهم بلغتهم وأشار إليهم بالكتاب فأدلوا له حبلا فرابطه لهم ووقف ينتظر الجواب قال فأوصلوا الكتاب إلى الملكة مريم فقرىء عليها فلما فهمت ما فيه قالت لارباب دولتها ما تقولون فيما كتب الينا أمير العرب قالوا: أيتها الملكة الرأي لك فمهما أمرتينا به امتثلناه فقالت يا قوم أنتم تعلمون أن النار ولا العار ومتى سلمنا لهؤلاء العرب عيرتنا الروم ويقولون كيف سلمتم مدينتكم وما حاصرتم سنة ولا عشرة ايام ومدينتكم أحصن بلاد الروم وإذا شئتم كان لكم موضع تزرعون فيه والمياه عندكم وكل ما تحتاجون إليه وقد وصلت الي الكتب من جميع ديار بكر ووعدوني أن يرسلوا عساكرهم لنصرتنا فقالوا: أيتها الملكة هذا هو الرأي الرشيد فاكتبي للقوم كتابا أن يقطعوا طمعهم منا فكتبت تقول أما بعد فقد وصلني كتابك وفهمت خطابك فأما ما ذكرت من نصر الله لكم أما علمت أن المسيح يمهلكم ولا يهملكم وإنما ذلك استدراج لكم ثم يأخذكم بعد ذلك وكأنكم بالملوك وأبناء الملوك وقد اقبلت عليكم بسواعد شداد وسيوف حداد وجيوش وأمداد فيأخذون منكم بالثار ويكشفون عن عباد المسيح العار وما كنا بالذي نسلم حصننا اليكم أبدا فإن شئتم المقام وإن شئتم الرحيل والسلام وربطوه بالحبل وأعطوه للمعاهد فأخذه وأتى به إلى عياض فلما قرأه وفهم ما فيه قال توكلنا على الله وفوضنا أمرنا إليه ثم قرأ: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً}[الطلاق: ٣] .
قال: وعول عياض أن يقيم على آمد وخيله تغير على الهتاج وميافارقين وسائر تلك البلاد قال: وسمعوا ضرب الناقوس فقال عياض أتدرون ما يقول هذا الناقوس قالوا: وما يقول قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عمه علينا ومعه جماعة من المسلمين ليغيروا على أطراف تبوك فاجتازوا بدير الراهب وذلك الراهب يضرب بناقوسه فقال على لمن معه أتدرون ما يقول هذا الناقوس قالوا: الله ورسوله أعلم وأنت يا علي فقال يقول مهلا مهلا يا بني الدنيا مهلا مهلا أن الدنيا قد غوتنا واستغوتنا وشغلتنا غدا.