نرى ما نرى ما من يوم يمضي عنا إلا لنا أو علينا يا بني الدنيا جمعا جمعا يا بني الدنيا شرطا شرطا ما من يوم يمضي عنا إلا اثقل ظهرا منا ما من يوم يمضي عنا إلا صار منا جهلا قد ضيعنا دارا تبقى واستوطنا دارا تفنى قال عياض فقالوا: يا ابن عم رسول الله أو يعلم النصراني ذلك قال: لا يعلم ذلك لا نبي أو صديق.
قال: حدثنا الربيع ابو سليمان عن موسى بن عامر عن جده قراءة بالخضراء من عسقلان قال فأقام عياض على أمد أربعة أشهر قال فخرج من جيشه الحكم بن هشام واستأذن عياضا أن يشن الغارات على ميافارقين فاذن له فأخذ معه من الصحابة مائة من المهاجرين والانصار فخرجوا بعد ما صلوا الظهر وعبروا الدجلة وساروا والأرض تطوي لهم فما مضى قليل من الليل إلا وهم على ميافارقين فداروا بها إلى أن وصلوا إلى برج يعرف ببرج الشاة فقال الحكم بن هشام وددت من الله لو فتح لنا هذه المدينة بلا قتال قال فما استتم كلامه حتى انفتح لهم باب من حائط البرج فدخلوا وهم يخترقون الطرق إلى وسط المدينة إلى كنيستهم العظمى وتعرف ببيعة ماريا وكانت تلك الليلة عيدا عند النصارى فلما اقبلوا إلى الصلاة وجدوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ومن اين جئتم قالوا: من عسكرنا قال: ومتى جئتم قالوا: بعدما صلينا الظهر قال: ومن فتح لكم مدينتنا قال له الحكم: فتح لنا من بيده مقاليد الامور قال اوما تفزعون منا فقال الحكم وكيف نفزع من مخلوق لا يضر ولا ينفع وهو تحت أحكام القهر وقد قال ربنا في كتابه: {فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[آل عمران: ١٧٥] .
فقال اسلاغورس أن دينكم دين محدث وديننا دين قديم والقديم أفضل من المحدث فقال له الحكم: إذا كان ما قلته حقا ففضل ابليس على آدم لأنه أقدم منه أعلمت أن طينة آدم مشكلة وقد قال الله تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ}[الزمر: ٢٢] اشرق نور قلبه في وقت تجليه واشتعل بالاتقاد فيه فنظر إليه ابليس وظن قميص عبوديته أبيض بالتوحيد وإذا هو أسود بالشرك فابان نعته القديم عن نعت وقته بقوله: {وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ}[البقرة: ٣٤] كان سائرا في أرض الشرك تحت ظل الجهل بالعواقب فما زال يقطع منازل العبادات بالعبادات وهو في عماية عن أبصار جمال المشاهدات فلما ظهرت أنوار مصباح الالهية من مشكاة الابدية استنار وجه صورة حاله فإذا هو قد فهم من جوابه وإن عليك لعنتي وأصل آدم لما طار من وكر بشريته بأجنحة همته في جو الطلب تعالى عن حطيطة انسانيته حتى دنا من نيران المحن فافترقت أنوار القسم بأجنحة اصطفائه وحصن قوادم ارتقائه فوقع في حبال وعصي آدم.