وأولادنا فجعل المسلمون يطلبون الأبواب وكانت علوج الروم قد غرقت في رحال المسلمين فلما نظروا إلى معاذ وقد حمل عليهم في رحاله عادت وقد رمت الرحال وطلبت الهرب فانفلت منهم ما انفلت وقتل من قتل قال صهيب بن سيف الفزاري فوالله ما انفلت من الخمسة آلاف الذين كانوا مع هربيس صاحب حمص إلا ما ينوف عن مائة فارس قال واتبعنا القوم إلى الأبواب فكان اعظم المصيبة قتلنا إياهم على الأبواب لأن أكثر الرجال من العواصم وغيرهم كانوا في المدينة قال سعيد بن زيد شهدت يوم حمص وكنت ممن أولع بعدد القتلى فعددت خمسة آلاف وستة غير أسير وجريح فدنوت من الأمير أبي عبيدة رضي الله عنه وقلت البشارة: أيها الأمير فاني عددت خمسة آلاف وستة غير اسير وجريح فقال الأمير أبو عبيدة بشرت بخير يا سعيد يا ابن زيد فهل ترى قتل بطريقهم هربيس فقال سعيد بن زيد أيها الأمير إذا كان قتل بطريقهم هربيس فما قتله غيري فقال الأمير أبو عبيدة وكيف علمت إنه قتيلك يا سعيد فقال سعيد بن زيد أيها الأمير إني رأيت فارسا عظيم الخلقة طويلا ضخما أحمر اللون وبيده سيف وعليه لامة حربه صفتهما كذا وكذا وهو في وسط الروم كأنه البعير الهائج فحملت عليه وقلت في حملتي: اللهم إني اقدم قدرتك على قدرتي وغلبتك على غلبتي اللهم اجعل قتله على يدي وارزقني اجره فقال له أبو عبيدة: إما أخذت سلبه يا سعيد قال: لا ولكن علامتي فيه نبلة من كنانتي أثبتها في قلبه فخر يهوي عن جواده ونفرت عنه أصحابه فلحقته فضربته بسيفي ضربة فصرمت حقوته ونبلتي في قلبه قال أبو عبيدة رضي الله عنه: أدركوه رحمكم الله وسلموا سلبه إلى سعيد ففعلوا ذلك.
قال الواقدي: فلما أخذت الحرب اوزارها أخذ المسلمون الإسلاب والدروع والشهابي ومثلوا الجميع أمام الأمير أبي عبيدة رضي الله عنه فأخرج منها الخمس لبيت مال المسلمين وقسم الباقي على المجاهدين قال ووقع الصياح والبكاء في حمص على من قتل منهم من فرسان الكفار ورجالهم قال واجتمع مشايخ حمص ورؤساؤهم إلى بيعتهم وتحدثوا مع القسوس والرهبان على أن يسلموا حمص إلى المسلمين وخرج علماء دينهم ورؤساؤهم إلى أبي عبيدة رضي الله عنه وصالحوه على تسليم المدينة إليه وأن يكونوا تحت ذمامه وأمانة فصالحهم أبو عبيدة رضي الله عنه وقال لست أدخل مدينتكم حتى نرى ما يكون بيننا وبين الملك هرقل وأراد أهل حمص أن يكرموا المسلمين بالإقامة والعلوقة فنهاهم الأمير أبو عبيدة عن ذلك ولم يدخل أحد من المسلمين إلى حمص إلا بعد وقعة اليرموك كل ذلك ليتقرب المسلمون إلى الروم بالعدل وحسن الصحبة.