واسبق اسلاما سبقت باسلامك مع السابقين وسارعت بايمانك مع المسارعين وسماك رسول الله بالأمين فكيف الحقك او انال درجتك والان اشهدك إني قد جعلت نفسي حبيسا في سبيل الله تعالى لا أخالفك ابدا ولا وليت امارة بعدها ابدا.
قال قال الواقدي: فاستحسن المسلمون قوله فقال أبو عبيدة: رضي الله عنه يا أبا سليمان الحق اخوانك رحمك الله قال فوثب خالد رضي الله عنه كأنه الاسد وسار إلى رحلة فأفرغ عليه درع مسيلمة الكذاب الذي سلبه منه يوم اليمامة والقى بيضة على رأسه واردفها قلنسوة وتقلد بحسامه وانصب في سرجه كأنه السيل ونادى بجيش الزحف هلموا إلى جزب السيوف فأجابوه مسرعين كأنهم العقبان وبادروا إلى طاعة الرحمن واخذ خالد الراية بيده وهزها على ركابه ودار به عسكر الزحف من كل جانب وودع المسلمون بعضهم بعضا وساروا وسار خالد وعبد الله بن انيس يدلهم على الطريق قال رافع بن عميرة الطائي كنت يومئذ من أصحاب خالد بن الوليد رضي الله عنه ولم يزل مجدا في السير والله عز وجل يطوي لنا البعيد فلما كان عند غروب الشمس اشرفنا على القوم والروم كالجراد المنتشر قد غرق المسلمون في كثرتهم فقال خالد: يا ابن انيس في جانب أطلب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: إنه واعد أصحابه أن يلتقوا عند دير الراهب او موعدهم الجنة.
قال الواقدي: فنظر خالد نحو الدير فشاهد الراية الإسلامية وهي بن عبد الله بن جعفر وما من المسلمين إلا من اصيب بجرح وقد ايسو من الحياة الفانية وطعموا في الحياة السرمدية والروم تناوشهم بالحرب وتكثر الطعن الضرب وعبد الله بن جعفر يقول لأصحابه: دونكم والمشركين واصبروا لقتال المارقين واعلموا إنه قد تجلى عليكم ارحم الراحمين ثم قرأ الاية قوله تعالى: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}[البقرة: ٢٤٩] فلما نظر خالد رضي الله عنه إلى صبرهم وتجلدهم على القتال اعدائهم لم يطق الصبر دون أن حمل عليهم وهز رايته وقال لأصحابه: دونكم القوم القباح فأرووا من دمائهم السلاح وابشروا بالنجاح يا أهل حي على الفلاح قال الواقدي رحمه الله تعالى: فبينما أصحاب عبد الله بن جعفر في اشد ما يكونون فيه إذ خرجت عليهم خيل المسلمين وكتائب الموحدين كأنهم الطيور وعليها الرجال كأنهم العقبان الكاسرة والليوث الضارية وهم عائصون في الحديد وقد ارتفع لهم الضجيج وبخيلهم العجيج فلما نظر عبد الله وأصحابه إلى ذلك ظنوا إنها نجدة الأعداء فأيقنوا بالهلاك والفناء وجعلوا ينظرون إلى الخيل التي رأوها هي قاصدة إليهم ففزعوا وظنوا أن كمينا من الروم قد خرج لقتالهم فعظم عليهم الأمر وقل منهم الصبر وأخذهم.