أحاط بها كل فارس من الروم فهل لك يا ابن الأزور أن تحمل معي فقال وأين هم فقال: أما تنظر إليهم فمد عينه وإذا بحامية الروم وبطريق طرابلس وقد أحدقوا بالدير يمنعون عن الجارية والنيران مشتعلة والصلبان تلمع كضوء النار وكأنهم سد من حديد فقال ارشدك الله للخيرات فنعم المرشد أنت أحمل حتى أحمل معك بحملتك قال فحمل عبد الله بن جعفر من جهته وحمل ضرار بن الأزور من جهته واتبعتهما الرجال وزعقوا في الروم وحماة المشركين وهم يمانعون عن أنفسهم وكان اشدهم منعة بطريقهم فبرز أمام القوم وهو يهدر كالبعير ويزأر زئير الاسد يصيح بكلمة الكفر ويحمل حملات الشجعان فقصده ضرار بن الأزور وباطشه في الضرب والتقت الأقران ونظر ضرار إلى العلج وعظم خلقته وتمكنه في سرجه وشدة ضربه وحسن احترازه فاخذ ضرار منه حذره واحترز منه البطريق وطلبه اشد الطلب وكل واحد منهما طامع في صاحبه فانفرد ضرار بن الأزور مع صاحب القوم وكل قرن مع قرنه وليس مع ضرار أحد المسلمين فانبسط ضرار بين ايديهم ليمكر بهم وطلبه البطريق وأصحابه وقصدوه بحملتهم فلما نظر ضرار إلى ذلك قصد موضعا يصلح لمجال الخيل فاعترضه واحد من ظلمة الليل فكبابه الجواد فسقط الأرض هاويا ثم ثار من سقطته يروم أخذ الفرس فلم يجد إلى ذلك سبيلا فوقف مكانه وسيفه وجحفته بيده وجعل يجاهدهم بسيفه وصبر لهم صبر الكرام ولم يأخذه في الله لومة لائم فخفق عليه بطريق الروم واقبل يضرب بعموده فلما لازمه ورمى العمود عليه زاغ ضرار عن الضربة ثم وثب إليه وثبة الاسد وضربه ضربة ازعجت فرس البطريق من تحته وقام على رجليه وشك بيديه وضربه الثانية فوقعت ضربة ضرار في عين جواده فانتكس الجواد إلى الأرض ووقع العلج على ظهره ولم يقدر أن يقوم لانه مزرد في سرجه فعالجه ضرار قبل وصول غلمانه إليه وضربه على حبل عانقه فنبا سيفه ولم يعمل شيئا فناهضه المعلج وقد ايكن بالهلاك وقبض عليه وكان الجبل العظيم فرماه ضرار تحته وملك صدره واستوى على نحره وكان مع ضرار سكين من صنعة اليمن لا تفارقه فاستلها من غمدها وضرب صدر عدو الله إلى سرته فسقط عدو الله قتيلا وعجل الله روحه إلى النار وبئس القرار.
ثم وثب ضرار وملك جواد عدو الله واستوى في سرجه وكان على الجواد كثيرا من الذهب والفضة والفصوص التي تساوي ثمنا كثيرا فلما صار على ظهر الجواد حمل وكبر على المشركين ففرقهم يمينا وشمالا وكان ضرار لما انبسط أمام القوم ملك عبد الله بن جعفر الدير ومن فيه ومن معه من المسلمين واحدقوا به ولم ياخذوا منه شيئا حتى رجع خالد رضي الله عنه من اتباع الروم وذلك أن خالدا اتبعهم إلى نهر عظيم كان بينهم وبين طرابلس الشام والروم يعرفون مخاوضه فوقف خالد ورجع إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدهم قد ملكوا الدير وقتلوا العلج وانتشرت الناس في جمع الغنائم وما.