ونكبس على العرب التي لم تكن في صلحنا وكنا إذا خرجنا في سرية نبيع الغنائم في بعلبك ففرح أهلها ببيعنا وشرائنا ووجدونا قوما ليس فينا كذب ولا خيانة ولانريد ظلم أحد وطابت قلوبهم وربحوا في تلك المدة اليسيرة مالا عظيما فلما نظر البطريق هربيس إلى ما ربح أهل بعلبك منا في تجارتهم ورخص ما يشترونه منا جمعهم إليه في كنيسة المدينة وهي الجامع اليوم وكان ذلك بميعاد وعدهم فيه الاجتماع فلما اجتمعوا عنده اقبل عليهم وقال للتجار والباعة والسوقة لقد علمتم إني قد اجتهدت في أموركم واحرصت على سلامة نفوسكم واهاليكم واولادكم وانتم تعلمون ما ذهب مني من المال وأنا اليوم واحد منكم وقد سلمت مالي وسلاحي وقتل أكثر غلماني ورجالي وبنو عمي وأنتم قوم قد أصبتم مع هؤلاء العرب خيرا كثيرا في هذه التجارات وقد أديت وحدي ربع المال فقالوا: صدقت أيها البطريق وقد عرفنا كل ما وصفت فما الذي تريد الآن فقال: يا قوم انما كنت قبل هذا اليوم بطريقكم وأنا اليوم واحد منكم وأريد أن تردوا علي بعض ما بذلت من المال للعرب فقالوا: أيها البطريق وإني لك بذلك فقال البطريق يا قوم الست أكلفكم أن تخرجوا من أموالكم ولا مما حوته منازلكم شيئا وإنما أريد أن تجعلوا في هذه البيوع والأشربة العشر مما تأخذون وتعطون قال فاضطرب القوم اضطرابا شديدا لذلك وعظم عليهم واقبل بعضهم على بعض وقالوا: يا قوم هذا رجل منا وصاحب ملكنا وقد اجتهد في امورنا وحامى بماله ونفسه عنا وما عسى يصيب منا في مالنا قال فأجابوه إلى ذلك وجعلوا له عليهم العشر فنصب عليهم من قبله عشارا يأخذ منهم أعشارهم ويجمعها ويحملها إليه فأقام على ذلك أربعين يوما فلما نظر هربيس إلى كثرة ما قد اجتمع له من المال العشر قال أنا أعلم أن هذه المدينة في كسب عظيم وتجارة رابحة ما رأى أهل بعلبك مثل هذا أبدا ثم جمعهم في الكنيسة مرة ثانية وقال لهم: يا قوم قد علمتم ما بذلت من المال على صلحكم وهذا الذي تعطوني إياه من العشر ليس يحزنني فإن أردتم أن تردوا علي مالي وتجعلوني كأحدكم فاجعلوا إلى الربع في أموالكم حتى يرجع الي مالي سريعا وإلا فمتى أخلف من هذا العشر مالي وسلاحي وغلماني.
قال الواقدي: فأبى القوم وضجوا عليه واشهروا عددهم ووقفوا في الطريق بغلمانه فقطعوهم اربا اربا وارتفع ضجيجهم فجزع المسلمون لذلك وهم لا يعلمون بالقصة فاجتمعوا إلى أميرهم رافع بن عبد الله السهمي وقالوا: أيها الأمير أما تسمع اصوات هؤلاء القوم في مدينتهم فقال: يا قوم قد سمعت كما سمعتم فما عسى أن أصنع بهم ولا يحل لنا الدخول إليهم وبهذا جرى الشرط بيننا وبينهم ونحن أحق بمن أوفى بعهد الله تعالى فإن هم خرجوا إلينا وأعلمونا بأمرهم صالحنا بينهم ونظرنا في أمورهم.