السور فهم أهل حمص أن يرموه بالسهام والحجارة فقال لهم بالرومية: يا قوم أمسكوا عليكم فأنا رجل معاهد وقد جئتكم بكتاب من هؤلاء العرب.
قال الواقدي: فدلوا له حبلا فربط وسطه به وشالوه إليهم وأتوا به إلى بطريقهم فلما وقف بين يديه خضع له وناوله الكتاب فقال له البطريق: ارجعت عن دينك إلى دين هؤلاء العرب قال: لا ولكن في ذمتهم وعهدتهم أنا واولادي وأهلي ومالي وما رأينا من القوم إلا خيرا والصواب عندي أن لا تقاتلوهم فإن القوم اولو بأس شديد لا يخافون ولا يرهبون الموت قد تمسكوا بدينهم والموت عندهم أفضل من الحياة وقد اقسم بدينهم لا يبرحون عن مدينتكم حتى تسلموها إليهم أو يفتحها الله على أيديهم وحق ديني إنكم أحب الي من العرب وأريد النصر لكم دون القوم ولكني خائف عليكم من بأسهم وسطوتهم فسلموا تسلموا ولا تخالفوا تندموا.
قال الواقدي: فلما سمع البطريق هربيس كلامه غضب غضبا شديدا وقال وحق المسيح والإنجيل الصحيح لولا إنك رسول لامرت بقطع لسانك على جراءتك علينا فلما قرأ الكتاب وعلم ما فيه أمر كاتبه أن يكتب إلى الأمير أبي عبيدة بجواب كتابه فكتب كلمة الكفر ثم قال: يا معاشر العرب إنه وصل إلينا كتابكم وعلمنا ما فيه من التهديد والوعد والوعيد ولسنا كمن لاقيتم من أهل الشام ولم يزل الملك هرقل يستنصر بنا على من عاداه وعلى من قصد إليه من العساكر والآن فلا بد لنا من الحرب والقتال فإن سورنا شديد وأبوابنا حديد وحربنا عتيد والسلام وطوى الكتاب وسلمه إلى المعاهد وأمر غلمانه أن يدلوه بالحبال من السور وسار حتى وصل إلى الأمير أبي عبيدة وسلمه الكتاب ففضه وقرأه فلما سمع المسلمون ما فيه عولوا على الحرب والقتال وقسم الأمير أبو عبيدة عسكر المسلمين أربع فرق فبعث فرقة مع المسيب بن نجية الفزاري فنزل بهم على باب الجبل مما يلي باب الصغير وبعث فرقة أخرى مع المرقال بن هشام بن عقبة بن أبي وقاص فنزل بهم على باب الرستق وبعث فرقة أخرى مع يزيد بن أبي سفيان فنزل على باب الشام ونزل الأمير أبو عبيدة وخالد بن الوليد على باب الصغير وزحف المسلمون إليهم من كل مكان وقاتلوهم بقية يومهم هذا وسهام الروم تصل إليهم فيتلقونها بالحجف ونبال العرب تصل إليهم والى من بأعلى السور فأثرت لاجل ذلك ضرا فانفضوا عند المساء فلما كان الغد جمع خالد بن الوليد كل عبد كان في عسكر المسلمين وأمرهم أن يتقلدوا بالسيوف ويتنكبوا بالحدف ويزحفوا إلى سور حمص ويضربوا السور بأسيافهم ويتلقوا السهام بحجفهم فقال الأمير أبو عبيدة وما عسى أن يغني عنا هذا يا أبا سليمان فقال خالد رضي الله عنه: على رسلك أيها الأمير ولا تخالفني فيما صنعت فاني عزمت أن أقاتلهم بالعبيد ونعلمهم أن ليس لهم عندنا من القدر