تلقاني في الموعد الأول فإن لنا وقعة عظيمة فإن أخذتك شفار سيوفنا فلا تخلص من شفارها ودعنا وعساكر الروم فهم أهون علينا فإن أبيت إلا ما أنت عليه حل بك مثل ما حل بهم.
قال الواقدي: فغضب جبلة بن الأيهم وقال لماذا تخوفني من سيوفكم أما نحن عرب مثلكم رجل لرجل فقال عبادة بن الصامت قد علمنا إنك أنما خرجت إلينا مخادعا ومعينا ولسنا كأنتم يا ويلكم نحن على قلتنا نوحد ربنا ونتبع سنة نبينا محمد وأن ورائنا عسكرا يعلوا الأقطار ويسد القفار فقال جبلة لست أعرف وراءكم جيشا غير هذا الجيش ولا من ينصركم غيرهم فقال عبادة بن الصامت كذبت والله يا أبن الأيهم في قولك وأن وراءنا رجالا انجادا وأبطالا شدادا يرون الموت مغنما والحياة مغرما كل واحد بنفسه يلقي جيشا حافلا يا ويلك أنسيت عليا وسطوته وعمر وشدته وعثمان وبراعته والعباس وطلعته والزبير مع ما يجتمع إليهم من فرسان المسلمين من مكة والطائف واليمن وغير ذلك قال فلما سمع جبلة ذلك من كلام عباة بن الصامت قال: يا أبن العم أنا ما خرجت إلا أريد النصحية لكم فإن أبيتم ذلك فاسال قومك يجيبونا إلى الصلح فقال عبادة بن الصامت لا صلح بيننا إلا باداء الجزية أو الإسلام أو السيف وهو حكم بيننا وبينكم والله لولا أن الغدر يقبح بنا لعلوتك بسيفي هذا فلما سمع جبلة كلام عبادة وانه قد حاف عليه في الكلام لم يرد عليه جوابا غير إنه ثنى رأس جواده وأتى إلى ماهان فزعا مرعوبا وقد امتلأ قلبه رعبا من كلام عبادة بن الصامت فلما وقف بين يدي ماهان تبين في وجهه الجزع والفزع فقال لجبلة ما وراءك فقال: أيها الملك إني خوفت وأرعبت ومنيت فكان ذلك كله عندهم بالسواء وقالوا: ما بيننا إلا الحرب والقتال فقال له ماهان: فما هذا الفزع الذي أراه في وجهك وهم عرب مثلكم وأنتم عرب مثلهم وقد بلغني إنهم ثلاثون ألف فارس وأنتم ستون ألف فارس أما يقاتل الرجلان منكم الرجل الواحد منهم دونك يا جبلة فسر أنت وابناء عمك من العرب المتنصرة إلى قتالهم وأنا وراءكم فإن ظفرتم بهم كان الملك مشتركا بيننا وبينكم وتكون أقرب الناس إلينا ويسلم إليكم ما فتحه العرب من بلاد الشام.
قال الواقدي: وجعل ماهان يرغب جبلة في العطاء ويلينه ويحرضه على القتال في المسلميي حتى أجابه إلى ذلك وأخبر قومه وبني عمه من بني غسان ولخم وجذام وغيرهم من العرب المتنصرة وأمرهم بأخذ الأهبة للحرب والقتال ففعل القوم ذلك وركبوا في سابغ الحديد والزرد النضيد وهم ستون ألف فارس ما يخالطهم من غير العرب أحد يقدمهم جبلة بن الأيهم وعليه درع من الذهب الأحمر متقلد بسيف من عمل التبابعة وعلى رأسه الراية التي عقدها له الملك هرقل فسار جبلة نحو الصحابة في ستين ألف