فأخرج السنان يلمع من ظهره فوقع منجدلا ونظر العلجان إلى صاحبهما مجندلا فحملا على عبد الرحمن وقصداه فأراد قيس بن هبيرة أن يعاونه عليهما فقال له عبد الرحمن: سألتك برسول الله صلى الله عليه وسلم وبحق أبي بكر إلا تركت عبد الرحمن يصطلي بهما فإن قتلت فأنت شريكي في الثواب وأقرىء عائشة مني السلام وقل لها أخوك قد لحق ببعلك وأبيك فتأخر قيس عنه وقد عجب من فعاله فحمل عبد الرحمن على أحد العلجين وهو الأول فطعنه برمحه فاشتبك السنان في درعه فرمى عبد الرحمن الرمح من يده وانتضى سيفه وقام في الركاب وضرب العلج بسيفه ضربة طرحه بها نصفين ونظر العلج الثالث الىعبد الرحمن وجراءته فبقى حائرا متعجبا من حاله ونظر إلى البطريق وهو متحير باهت فبانت له فيه غفلة فقال: ما يوقفك يا قيس وحمل على البطريق وضربه ضربة هشم بها هامته فسقط إلى الأرض صريعا فلما نظرت الروم إلى أصحابهم قال بعضهم لبعض ما هؤلاء العرب إلا شياطين.
قال الواقدي: وأخبر ماهان بفعالهم فقال لقومه أن الملك كان أخبر بهؤلاء القوم وحق المسيح لقد أعلم أن لكم أمرا فإن لم تحملوا عليهم بكثرتكم وإلا فما تقوم لكم قائمة قال فأتاه بطريق من البطارقة وسارر ماهان في اذنه طويلا ثم انزاح عنه وقد اصفر وجه ماهان وسكت كأنه اخرس فاستخبروا ماهان عما حدثه البطريق فلم يخبرهم قال فحدث من رأى ذلك إنه سأل جبلة بن الأيهم فقال لما أخبر ماهان بخبر الثلاثة وفيهم البطريق الأول قال ماهان إنهم منصورون عليكم فقال له البطريق في اذنه: أيها الملك الحق ما قلت: أعلم إني رأيت البارحة في منامي كأن رجالا نزلوا من السماء إلى الأرض وهم على دواب بلق وشهب وعليهم كامل السلاح واحدقوا بهؤلاء العرب ونحن قيام بازائهم لا يخرج أحد من عسكرنا إلا قتلوه حتى أتوا على أكثرنا وأظن إنهم هؤلاء الذين نراهم في اليقظة لأن واحدا منهم قتل ثلاثة منا وما هم إلا منصورون علينا من السماء قال فكسر بهاذا قلب ماهان فلم يرد جوابا فاجتمع القوم يسألونه عما قاله البطريق فلم يخبرهم فلما أكثروا عليه السؤال تكلم فيهم كالخطيب وقال: يا أهل هذا الدين إنكم أن لم تقاتلوا كنتم من الخاسرين وغضب عليكم المسيح وأن الله عز وجل لم يزل لدينكم ناصرا ومظهرا وأن لله الحجة عليكم إذ بعث فيكم رسولا وانزل عليه كتابا ولم يتبع رسولكم الدنيا وأمركم أن لا تتبعوها وفي كتابه لا تظلموا فإنه لا يحب الظلم ولا الظالمين فلما اتبعتم الدنيا وظلمتم وخالفتم نصر اعداؤكم عليكم فما عذركم عند خالقكم وقد تركتم أمر نبيكم وما انزل عليكم في كتاب ربكم وهؤلاء العرب بازائكم يريدون قتل فرسانكم وسبي ذراريكم ونسائكم وأنتم على المعاصي والذنوب ولا تخافون من علام الغيوب فإن نزع الله سلطانكم من ايديكم واظهر عدوكم عليكم فذلك بحق منه وعدل لانكم لا تأمرون بالمعروف ولا تنهون عن المنكر.