حسنة وعلى الجناح الإيمن يزيد بن ابي سفيان وعلى الايسر قيس بن هبيرة فلما ترتبت الصفوف سار أبو عبيدة بين الصفوف وجعل يحرض المؤمنين على القتال ويقول:{إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[محمد: ٧] والزموا الصبر فإن الصبر منجاة من الكرب ومرضاة للرب ومقمعة للعدو فلا تزايلوا صفوفكم ولا تنقضوا نيتكم ولا تخطوا خطوة إلا وأنتم تذكرون الله ولا تبدأوهم بالقتال حتى يبدأوكم وشرعوا الرماح واستتروا بالدرق والزموا الصمت إلا من ذكر الله ولا تحدثوا حدثا حتى آمركم ثم رجع إلى مقامه من القلب فوقف فيه ثم خرج من بعده معاذ بن جبل فطاف على الناس محرضا لهم يقول: يا أهل الدين ويا أنصار الهدي والحق اعلموا رحمكم الله تعالى أن رحمة الله لا تنال إلا بالعمل والنية ولا تدرك بالمعصية والتمني بغير عمل مرضي ولا تدخل الجنة إلا بالأعمال الصالحة مع رحمة الله ولا يؤتي الله الرحمة والمغفرة الواسعة إلا الصابرين والصادقين ألم تسمعوا قوله جل من قائل: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[النور:٥٥] واستحيوا من الله أن يراكم في فرار من عدوكم وأنتم في قبضته ليس لكم ملجا من دونه ولم يزل معاذ يقول: ذلك إلى أن رجع إلى مقامه ثم خرج سهل بن عمرو فمشى بين الصفوف وهو شاكي السلاح وراكب فرسه متقلد سيفه وهو يقول: مثله ثم رجع وخرج من بعده أبو سفيان فطاف بين الصفوف وهو شاكي السلاح راكب فرسه متقلد سيفه معتقل رمحه وهو يقول: معاشر العرب الكرام السادة العظام قد أصبحتم في ديار الأعلاج منقطعين عن الأهل والأوطان ووالله لا ينجيكم منهم إلا الطعن الصائب في أعينهم والضرب المتدارك في هاماتهم وبذلك تبلغون أربكم وتنالون الفوز من ربكم واعلموا أن الصبر في مواطن البأس مما يفرج الله به الهم وينجي به من الغم فاصدقوا القتال فإن النصر ينزل مع الصبر فإن صبرتم ملكتم بلادهم وأمصارهم واستعبدتم ابناءهم ونساءهم وأن وليتم فليس بين ايديكم إلا مفاوز لا تنقطع إلا بالزاد الكثير والماء الغزير ولا ترجعوا إلى دور ولا إلى قصور فامنعوا بسيوفكم وجاهدوا في الله حق جهاده ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون قال ثم خرج من بين الصفوف واقبل على النساء وهن على التل وفيهن المهاجرات وبنات الأنصار وغيرهن من نساء المسلمين ومعهن أولادهن فقال لهن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم والجنة أمامكم والشيطان والنار وراءكم واقبل حتى وقف.