للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آخر فقتله وثالث ورابع فقتلهم فخرج إليه خامس فقتل الأزدي فغضبت الأزد عند ذلك ودنت من صفوف المشركين فعندها أقبلت الروم وزحفت كالجراد المنتشر حتى دنا طرفهم من ميمنة المسلمين فقال أبو عبيدة: أن أعداء الله قد زحفوا عليكم فنكلوهم واعلموا أن الله معكم وثبتوا نفوسكم بالصبر والصدق واللقاء والنصر من الله ثم رمق إلى السماء بطرفه وقال اللهم إياك نعبد وإياك نستعين ولك نوحد ولا نشرك بك شيئا وأن هؤلاء أعداؤك يكفرون بك وبآياتك ويتخذون لك ولدا اللهم زلزل أقدامهم وأرجف قلوبهم وأنزل علينا السكينة والزمنا كلمة التقوى وآمنا عذابك يا من لا تخلف الميعاد اللهم انصرنا عليهم يا من قال في كتابه العزيز: {وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} [الحج: ٧٨] قال فبينما هو يدعو بهذه الدعوات إذ حملت الروم على ميمنة المسلمين وكان فيها الأزد ومذحج وحضرموت وخولان فحملت عليهم الروم حملة منكرة فصبروا لهم صبر الكرام وقاتلوا قتالا شديدا وثبتوا ثباتا حسنا وحملت عليهم كتيبة ثانية فصبروا صبرا جميلا وحملت عليهم كتيبة ثالثة فأزالوا المسلمين عن الميمنة فابتدر منهم عمرو بن معد يكرب الزبيدي وهو المقدم على زبيد والأمير عليهم وهم يعظمونه لما سبق من شجاعته في الجاهلية وكان يوم اليرموك قد مر له من العمر مائة وعشرون سنة إلا أن همته الشجاعة فلما نظر إلى قومه وقد إنكشفوا صاح في قومه يا آل زبيد يا آل زبيد تفرون من الأعداء وتفزعون من شرب كاس الردى أترضون لأنفسكم بالعار والمذلة فما هذا الأنزعاج من كلاب الأعلاج أما علمتم أن الله مطلع عليكم وعلى المجاهدين والصابرين فإذا نظر إليهم وقد لزموا الصبر في مرضاته وثبتوا لقضائه أمدهم بنصره وأيدهم بصبره فأين تهربون من الجنة أرضيتم بالعار ودخول النار وغضب الجبار قال فلما سمعت زبيد كلام سيدهم عمرو بن معد يكرب رجعوا إليه وعطفوا عليه عطفة الإبل على أولادها فاجتمعوا حوله زهاء من خمسمائة فارس وراجل وشدوا على القوم شدة واحدة وحملت معهم حمير وحضرموت وخولان وحملوا حملة صعبة فازالوا الروم عن أماكنهم وحملت دوس مع أبي هريرة وهز رايته وهو يحرض قومه على القتال ويقول: أيها الناس سارعوا إلى معانقة الحور العين في جوار رب العالمين وما من موطن أحب إلى الله من هذا الموطن إلا وأن الصابرين قد فضلهم الله على غيرهم الذين لم يشهدوا مشهدهم فلما سمعت دوس كلامه طافوا به وحملوا على الروم حملة منكرة ودارت بينهم الحرب كما تدور الرحى وتكاثرت جموع الروم على ميمنة المسلمين فعادت الخيل تنكص باذنابها راجعة على أعقابها منكشفة كانكشاف الغنم بين أيدي الاسد ونظرت النساء خيل المسلمين راجعة على أعقابها فنادت النساء يا بنات العرب دونكن والرجال ردوهم من الهزيمة حتى يعودوا إلى الحرب قالت سعيدة بنت عاصم الخولاني: كنت في جملة النساء يؤمئذ على التل فلما إنكشفت ميمنة المسلمين صاحت بنا عفيرة

<<  <  ج: ص:  >  >>