للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لا تحمل أنت فقال جرجير لقناطر وكيف لا آمرك وأنا أمير عليك فقال قناطر كذب أنت أمير وأنا أمير عليك وفوقك وأنت مأمور لي بالطاعة فاختلفا وغضب جرجير من قول قناطر فحمل على المسلمين حملة شديدة وكانت حملته على كنانة وقيس وخثعم وجذام وقضاعة وعاملة وغسان وهم يؤمئذ فيما بين الميسرة والقلب فكشف الروم المسلمين حتى زالت عن مصافهم ولم يبق منهم إلا أصحاب الرايات فقاتلوا من يليهم قتالا شديدا وركب الروم اكتاف المسلمين المنهزمين إلى أن دخلوا معهم إلى معسكرهم فاستقبلهم النساء بالعمد يضربن وجوه الخيل ويرمين وجوهها بالحجارة وينادين بهم إلى أين تنهزمون يا أهل الإسلام عن الأمهات والأخوات والبنين والبنات أتريدون أن تسلمونا للاعلاج قال منهال الدوسي فلقد كانت النساء أشد علينا غلظة من الروم فرجع المسلمون عن الهزيمة ونادى بعضهم بعضا: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: ٣] وعطفوا على الروم عطفة عظيمة قال وكان قتامة بن أيشم الكناني أمام المسلمين يضرب في عراض المشركين تارة بالسيف وتارة بالرمح حتى كسر ثلاثة رماح وهو يقول:

ساحمل في الروم الكلاب النوابح

...

وأضربهم ضربا بحد الصفائح

وأرضي رسول الله خير مؤمل

...

نبي الهدى للدين أشرف ناصح

قال الواقدي: ثم حمل حتى كسر سيفين وجعل كلما كسر رمحا أو سيفا يقول: من يعيرني سيفا أو رمحا في سبيل الله وأجره على الله ثم نادى يا معاشر قيس خذوا نصيبكم من الأجر والصبر فإن الصبر في الدنيا عز ومكرمة وفي الآخرة رحمة وفضيلة ف {اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: ٢٠٠] قال فاجابه قومه ونشطوا للقتال قال قتامة بن أيشم الكناني فما رأيت مثل حملة قناطر وقومه ولقد اختلطوا بنا واختلطنا بهم قال ورجع خالد من دهمته ومعه ألفان من أصحابه وقد وضعوا السيوف في الروم وقتلوهم قتلا ذريعا والقتل لا يبين فيهم لكثرتهم واقبل خالد على الناس من كرته فرأى الناس يقولون جزى الله قتامة بن الايشم خيرا عن الإسلام فشكره وجزاه خيرا قال وأقبلت ذرعه ابنة الحرث منحدرة عن التل وهي تقول ما فعل خالد حتى وقفت بين يديه وقالت: يا ابن الوليد أنت من العرب الكرام وإنما الرجال بامرائها فإن ثبتوا ثبتت الرجال معهم وأن انهزموا انهزمت الرجال معهم فقال لها خالد: ما كنت من المنهزمين وما كنا إلا نقاتل في الأعلاج فقالت: قبح الله وجه عبد نظر إلى أميره ثابتا وهو منهزم عنه.

قال الواقدي: ونظر ماهان لعنه الله إلى الميمنة من عسكره وقد عركت عراك الأديم فبعث إليهم يحرضهم على القتال فعندها خرج علج من الروم وعليه درع سابغ السلاح

<<  <  ج: ص:  >  >>