خاف أن ينظروا إليها ويعلموا ما فعله من المكر فسبقهم إلى الشرف وسار أمامهم وأقبل على الأعواد مخاطبا لها كأنه يخاطب الرجال وهو يقول: يا أهل كندة يا أهل طريف إياكم والقوم قد أتتكم الرجال فلا تحملوا عليهم وأنا أفديكم بنفسي فإن رأيتم علي الحيف فاحملوا على القوم فمد القوم ابصارهم إليه فوجدوا عنده الثياب على الأعواد في انشقاق الفجر فلم يشكو إنهم رجال فانقلبوا راجعين نحو البحر وجعل دامس ينادي إلا يا قوم أقسمت عليكم أن لا تبرحوا من أماكنكم وأنا أكفيكم مؤنة القوم وحدي فرجعت بنو مهرة ناكصين على أعقابهم هذا قد أردف زوجته وهذا أولاده وهذا أمته وهذا أخذ ما قدر عليه من أثاثه ورجع أبو الهول إلى الحي فلم يصادف فيه إلا العبيد والصبيان والمشايخ والعجائز فأمر العبيد أن يوقروا الجمال فحملوها وكتفهم وساق الجميع قدامه وعاد وأخذ الثياب من على الأعواد ولحقهم وأتى بهم ديار قومه فعجبوا منه ومن فعاله فلما سمع أبو عبيدة ذلك من خالد أقبل على سراقة وقال له: ادع لي عبدكم حتى أنظر إليه واسمع كلامه فأتى به سراقة فقال له أبو عبيدة: أنت دامس قال: نعم أصلح الله الأمير فقال له: بلغني عنك عجائب وأنت وايم الله أهلها لأنك جزل من الرجال وأعلم إنك وقومك تقاتلون في بلاد سهلة لا تأتون الجبال ولا القلاع ولقد اقتحمت البارحة أثر القوم اقتحاما منكرا فارفق بنفسك واحذر من هذا البطريق يوقنا فقال له دامس: أصلح الله الأمير لقد غزوت مهرة وأخذت أموالها وأن جبالها منيعة شامخة رفيعة ذات وعر وحجر وما هذه بامنع من تلك الجبال فقال أبو عبيدة: أنا أراك نجيبا فهل حدثتك نفسك من أمر هذه القلعة بشيء فقال دامس أصلح الله الأمير إني لما قدمت عليك في هذا الوقت كنت رأيت في نومي رؤيا فقال أبو عبيدة: وما الذي رأيت أراك الله الخير قال رأيت كأني سائر في وطاة من الأرض وإني مجد أطلب قومي فبينما أنا في مسيري إذ أشرفت عليهم وهم حائرون لا يتقدمون ولا يتأخرون فناديتهم يا قوم ما شأنكم وأي شيء عرض لكم في طريقكم فقال لي القوم ما ترى هذا الجبل كيف قد عرض لنا في آخر هذا الطريق وليس لنا فيه مسلك ولا مطلع فقلت: على رسلكم إلا ترون هذه الفجوة في هذا الجبل فقالوا: هيهات ليس لنا فيه منقذ ولا مطلع فقلت: ولم ذلك قالوا: لأن فيه ثعبانا عظيما لا يمر به أحد إلا وأهلكه وقد قتل رجالا وجندل أبطالا فقلت: يا قوم إلا تهجمون عليه بأجمعكم قالوا: لا نقدر على ذلك لأن النار تخرج من أنفاسه وليس لنا عليه من سبيل فقلت لهم: فالتمسوا لكم طريقا من وراء ظهره فقالوا: لا نقدر على ذلك من عظم جثته فتركتهم والتمست لي طريقا فلم أجد إلا طريقا صعبا حرجا فاقتحمته فما سلكته إلا بعد المشقة وأتيت إلى الثعبان من ورائه فقتلته ثم أشرفت على قومي فاتبعوني فما وصلوا إلا بعد جهد جهيد وهم آمنون من عدوهم ثم استيقظت فرحا مسرورا.