قتل كل واحد خصمه وتكاثرت عليهم الخيل فأسروا المائة وأما ضرار فإنه صاح بالمائة الثانية وقال: يا فتيان العرب أن أعداءكم قد هاجموكم على حين غفلة منكم وهم عرب مثلكم وهذه أفضل الساعات عند الله فقووا عزمكم ولا تفشلوا فانتم تعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الجنة تحت ظلال السيوف" وقد قال الله تعالى: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}[البقرة: ٢٤٩] قال ميسرة بن عامر وكان من جملة من حضر معنا في مرج دابق ربيعة بن معمر بن أبي عوف وهو ابن عمر بن ربيعة الشاعر وكان ربيعة من فصحاء العرب لا يتكلم إلا بالسجع كلامه ينظم بحسن مقاله وكنا نصغي إليه إذا سجع ونحفظ منه فلما سمع ضرارا وهو يحرضنا قال: يا فتيان العرب لن تنالوا الجنة إلا بالصبر على المكاره والله لن يدخلها من هو للجهاد كاره:
ولله في عرض السموات جنة
...
ولكنها محفوفة بالمكاره
وأعلى الدرجات درجة الشهادة فارضوا علم الغيب والشهادة فهذا الجهاد قد قام على ساقه وكسد النفاق في أسواقه واختفى بنفاقه في انفاقه أما انتم أصحاب نبي العصر ولم يئستم من الثبات والنصر بشروا روح المصطفى بثباتكم وقووا العزم بصفاء نياتكم وإياكم أن تولوا الأدبار فتستوجبوا غضب الجبار واعلموا أن النصر والثبات جندان منصوران فمن طلب دار البقا هان عليه الملتقى فصححوا طلبتكم تنالوا رحمة ربكم وحققوا حملتكم تنالوا بغيتكم واطعنوا النحور تنالوا الحور وتسكنوا القصور وقوموا الاسنة تنالوا الجنة واعتمدوا على الصبر تنالوا النصر وإياكم أن توافقوا الكفار في حالهم واعدلوا عن طريق قولهم قال العالم بحالهم وفعلهم.
: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}[النور: ٥٥] قال سمرة ابن غانم والله لقد دهشت أنفسنا بقوله وحملنا على المتنصرة وضرار ينشد.
إلا فاحملوا نحو اللئام الكواذب
...
لترووا سيوفا من دماء الكتائب
وردوا عن الدين المعظم في الورى
...
وأرضوا إله العرش رب المواهب
فمن كان منكم يبتغي عتق ربه
...
من النار في يوم الجزا والمآرب
فيحمل هذا اليوم حملة ضيغم
...
ويرضي رسولا في الورى غير كاذب
قال الواقدي: ثم حمل ضرار ونحن من ورائه وبذلنا نفوسنا وروينا سيوفنا ورماحنا من المتنصرة وجرى الحرب بما لا يوصف وضرار فيهم كانه النار في الحطب اليابس وجبلة بن الأيهم يتعجب من حملاته وضرباته فأمر قومه أن يقصدوا جواده بسهامهم ففعلوا ذلك فانصرع الجواد ووقع ضرار فتكاثروا عليه وأخذوه أسيرا وأخذوا بقية أصحابه وساروا يريدون أنطاكية فالتقوا بيوقنا وأبنة الملك كما ذكرنا.