وجاهدوا وأريد أن ابرز في هذا اليوم إلى هؤلاء المحمديين واشفي فؤادك وفؤادي منهم فاراد الملك أن يطيب قلبه فقال له: الزم مكانك ولا تخرق بحرمتك وحشمتك حشمة الملوك فأنت أقدم مني في المملكة فدع غيرك يكون لهذا الأمر فما بلغ من شأن العرب أن تخرج أنت إليهم بنفسك فقال فلنطانوس أيها الملك وأي حشمة بقيت لنا مع هؤلاء وقد أهملوا عزنا وأذلوا أعز ديننا والجهاد مفروض على كبيرنا وصغيرنا أما علمت أيها الملك إنه من نظر إلى الدنيا بعين المحبة جذبته الشهوات إلى الغلو في محبتها والتعلق بزخارفها فإذا فعل ذلك ركب غيم كثافه الجهل على صفحة صدره فمنعه ذلك عن طلب معاده ومن سارع إلى طاعة خالقه بترك شهواته ارتقى إلى دار دائرة القدس في محل الانس ولما علم القديم الأزلي بركون أنفسكم المحجوبة بحجاب الغفلة إلى طلب ما يفني سلط عليكم أضعف أمة قد أخرجتكم من دياركم وأبعدتكم عن أوطانكم وما ذاك إلا لخلودكم إلى الأهواء الجاذبة إلى مهاويكم والى ادراك المهالك لأنكم حكمتم بغير الحق واجترأتم على الرعية بطلبكم منهم ما ليس لكم بحق والجور في أخذ أموالهم وفساد أحوالهم وكثرة الزنا وأتباع الخنا فلاجل ذلك لم تنصروا ودارت دائرة السوء عليكم قال ثم تكلم صاحب الملك هرقل الكبير واسمه سروند وصاح عليه وقال له: أيها السيد لا تحمل على قلب الملك من كلامك ما لا يطيق في مثل هذه الساعة فقد وعظه من هو أكبر منك فلم يسمع قوله قال فغضب فلنطانوس من صياح الحاجب عليه وكتم أمره إلى الليل فلما مضى من الليل ربعه طلب حجابه وخواصه وقال لهم: ارضيتم أن يزعق علي حاجب هرقل ويوبخني بين الملوك وأنتم تعلمون أن بيتي أعظم من بيته ونسبه أدنى من نسبي وملكي أقدم من ملكه ولقد قال قسيس حكيم بلاد الذكر المشهور بحكمته وهو الذي وضع المنار الأعظم في يوم كبير كان بين بلاد الجرامقة وبلاد الانجار وهي مسيرة أثني عشر يوما ولا يصل إلى أرضها إلا بعد عناء كبير فاحتفر لها بئرا ووضع في وسطها عمودا على راس حجر يدور من صنعة حكمتها يسمع له من حده النداء من حوله ويرشح له بقدر ما يملأ ذلك الجرن العظيم فإنه قال: لا تسع بقدمك إلى من يراك دونه فتصغر عنده واجعل عز نفسك في مقابلة كبرياء عجبه فإن عزه النفوس تقابل جاه الملوك ولا تصنع صنيعك لغير مستحقه لانها تجلب عليك السوء من قبل ذلك فإن ذلك الأحسان لا يزكو إلا عند ذوي الأصول فإنه يندسج عند السفهاء والأرذال لا تصنع إليهم النصيحة فانك أنت تطلب منفعته وهو يريد هوى نفسه بأذيتك وقد جئنا من مائة فرسخ واكثر إلى خدمة رجل يرى أننا قد قصدنا داره وتاج عزه واننا نحن من جملة خدمه وأن نور العقل المجوهر للحس يمنعني من اتباع الجهل المظلم للحواس وأن نفسي تابى ذلك والعز محل جليل ومقام نبيل والذل وبيل وصاحبه قليل وقد عولت أن أسير إلى هؤلاء العرب وأختبر ملتهم فإنها هي المله الواضحة بالحق المؤيدة بالصدق ومن كان