التراب ثم إنه رفع راسه من سجوده وقد تترب وجهه وشيبته من التراب وهو يقول: اللهم لك الحمد والشكر على نعمك السابغة ثم قال هات الكتاب رحمك الله فناولته إياه فلما قرأه بكى فقال له علي كرم الله وجهه: مم بكاؤك قال مما صنع أبو عبيدة بالمسلمين وبما استعقب رأيه في الموحدين ثم قال أن النفس لامارة بالسوء ودفع الكتاب إلى علي فقرأه على المسلمين إلى آخره قال زيد بن وهب ثم رأيت عمر قد هدا من بكائه وقد زاد فرحه وأقبل علي وقال: يا زيد إذا عدت فأمعن النظر في اتيانها وأعنا بها واحمد الله كثيرا فقلت: يا أمير المؤمنين ليس هذا أوانه قال ثم جلس عمر على الأرض ودعا بدواة وقرطاس وكتب إلى أبي عبيدة كتابا يقول فيه: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عمر إلى عامله بالشام أبي عبيدة عامر ابن الجراح سلام عليك وإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو وأصلي على نبيه وأشكره على ما وهب من النصر للمسلمين وجعل العاقبة للمتقين ولم يزل بنا لطيفا معينا وأما قولك لم نقم بانطاكية لطيبها فإن الله عز وجل لم يحرم الطيبات على المؤمنين الذين يعملون الصالحات فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً}[المؤمنون: ٥١] وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا الِلَّهِ}[البقرة: ١٧٢] الآية فكان يجب عليك أن تريح المسلمين من تعبهم وتدعهم يرغدون في مطعمهم ويريحون أبدانهم من نصب القتال مع من كفر بالله وأما قولك إنك منتظر أمري فالذي آمرك به أن تدخل وراء العدو وتفتح الدروب فإنك الشاهد وأنا الغائب وقد يرى الشاهد ما لا يراه الغائب وأنت بحضرة عدوك وعيونك تأنيك بالأخبار فإن رأيت أن دخولك إلى الدروب بالمسلمين صواب فابعث إليهم بالسراية وادخل معهم إلى بلادهم وضيق عليهم المسالك ومن طلب منك الصلح فصالحهم ووف لهم بما تقدر وأما قولك أن العرب أبصرت نساء الروم فرغبت في التزوج فمن أحب ذلك فدعه أن لم يكن له أهل بالحجاز ومن أراد أن يشتري الأماء فدعه فإن ذلك أصون لفروجهم واعف لنفوسهم وما تحتاج أن أوصيك في أمر فلنطانوس صاحب رومية اوسع عليه في النفقة وعلى من معه فإنه قد فارق أهله وملكه وأمره ونهيه والسلام عليك وعلى جميع المسلمين وطوى الكتاب ودفعه لزيد بن وهب وقال له: انطلق رحمك الله وأشرك عمر في ثوابك فأخذ زيد الكتاب وهم أن يسير فأمره أن يقف وقال له: على رسلك حتى يزودك عمر من قوته ثم أن عمر أناخ راحلته وأخرج له تمرا وأعطاه صاع تمر وصاع سويق وقال: يا زيد اعذر عمر فهذا ما أمكنه ثم أن عمر قبل راس زيد بن وهب فبكى زيد وقال: يا أمير المؤمنين أو بلغ من قدري أن تقبل راسي وأنت أمير المؤمنين وصاحب سيد المرسلين وقد ختم الله بك الأربعين فبكى عمر وقال أرجو أن يغفر الله لعمر بشهادتك قال زيد بن وهب فاستويت على كور ناقتي وهممت بالمسير فسمعته يقول: اللهم احمله عليها بالسلامة