من تعب الدنيا ولا تشفق علي من حر النار وعيش عاش فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبرز إليه غيري ثم برز إليه وتحته فرس المقتول وما غير من لامته شيئا وبيده سيفه وحجفته فلما التقيا ورأى البطريق فرس صاحبه علم أنه قاتله فما أمهله حتى نفد إليه وحمل عليه عبد الله كأنه جبل قد انهد من علو وتشبث به وجذبه فاخذه أسيرا وذهب به إلى قومه وقال أوثقوه بالحديد واحملوه على خيل البريد واذهبوا به إلى الملك في هذا الساعة قال ففعلوا ذلك وساروا به ورجع البطريق إلى الميدان وهو يفتخر بما صنع فاراده ثلاثة من المسلمين كل منهم يريد أن يخرج إليه فقال ميسرة ما يخرج لهذا اللعين غيري واستدعى سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وسلم الراية إليه وقال له: كن للراية حافظا حتى أخرج إلى هذا اللعين فإن عدت أخذتها وإن قتلني فأجري على الله فأخذ سعيد الراية وخرج ميسرة إلى البطريق وهو يقول:
قد علم المهيمن الجبار
...
بأن قلبي قد كوي بالنار
على الفتى القائم بالاسحار
...
سيعلم العلج اخو الاشرار
أني منه آخذ بالثار
قال: وحمل عليه وتجاولا طويلا وعظم الأمر بينهما وتدانيا وتقاربا وتباعدا وغابا عن الابصار تحت الغبار وكل فرقة تنظر إلى صاحبها وتدعو له ثم انكشفا وهما للتفرق اقرب منهما للتقارب فقال العلج لميسرة بحق دينك ما هذه الراية التي طلعت من وراء عسكركم فلم يلتفت إلى كلامه بل قال له: {وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ}[ابراهيم:٢٠] فقال: وحق ديني ما قلت لك إلا حقا قال: وهو يحلف كاذبا فالتفت ميسرة لحرصه أن يأتي الله بالفرج وينظر لحقيق ما قاله اللعين فحمل البطريق عليه ومكن يده منه ليأخذه أسيرا وإذا قد طلعت راية خالد بن الوليد وهي مشرقة بالنور وهي في يد خالد ابن الوليد وكبر المسلمون يدا واحدة فمن عظم تكبيرهم ارتجت يد العلج عن ميسرة والتفت البطريق ليرى ما الخبر فقبض عليه ميسرة وهم أن يقلعه فلم يقدر لانه كان مرفلا في السرج فجعل يجذبه فلم يقدر وقرب خالد منهم فرفع سيفه يريد أن يضرب به ميسرة ليطلقه من يده فحاد السيف عن ميسرة ووقع على يد العلج الشمال فقطعها وانتخع ميسرة وانثنى البطريق إلى اصحابه ويده مقطوعة وهو يئن فالتقى به غلمانه فأخذوه وكووه وأما خالد فإنه التقى بميسرة وتسالما وحدثه بما وقع له مع الروم وكيف اسروا عبد الله بن حذافة السهمي فتاسف خالد واسترجع وقال يؤسر مثل عبد الله بن حذافة والله لا يفارقهم خالد أو يخلصه أن شاء الله تعالى وأقام خاد بقيد ذلك اليوم فلما كان من الغد أتاهم من جيش الروم شيخ وعليه مسوح السواد حتى وقف بازائهم وأومأ بالسجود فمنعه خالد وقال: ما الذي تريد؟